شر الأمور المحدثات البدائع
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد اطلعت على رسالة لطيفة بعنوان: (فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) وتحت شعار: (بحوث في التوعية الفقهية) فجزى الله كاتبها خيراً على إعدادها ونشرها إذ الناس في أشد الحاجة إلى معرفة شرف ومكانة هذا النبي العظيم الذي جعل الله حبه عز وجل في حبه واتباعه صلى الله عليه وسلم فقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، ومن نفسه) غير أن لي على الرسالة ملحوظات إذا تداركها كاتب الرسالة فقد أحسن إلى رسالته غاية الإحسان وصارت مبرأة من كل عيب يشينها:
الأولى: تضمنها بعض الأحاديث التي لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الأحاديث الصحيحة غنى وكفاية، وإذا كان العلماء قد اختلفوا في الرواية والعمل بالأحاديث التي في أسانيدها ضعف لوجود احتمال أن تكون صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم لم يختلفوا في تحريم الرواية والعمل بالأحاديث الباطلة التي ثبت يقينا عدم صدورها عنه صلى الله عليه وسلم ويستحسن النظر في مقدمة صحيح مسلم ففيه مبحث نفيس في هذه القضية.
الثانية: أنه جاء في الرسالة في آخرها دعاء طويل جداً تحت عنوان (كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ) وكان الواجب الالتزام بالكيفية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقد سأله الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك حيث قالوا: (أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال أبو مسعود الأنصاري: حتى تمنينا أنه لم يسأله – ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) (رواه مسلم في صحيحه).
فهذه عبادة لم يجترئ عليها الصحابة رضي الله عنهم ولم يجتهدوا فيها ولم يعملوا بها حتى سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية أدائها ولم يجبهم صلى الله عليه وسلم حتى انتظر الوحي وطال سكوته في المجلس إلى أن أوحى الله إليه كيفية أدائها فهي عبادة جليلة عظيمة والأصل في العبادات التوقيف فلا مجال للرأي والاجتهاد في بيان كيفيتها خاصة بعد بيان الشارع لها وهذه الكيفية التي ذكرناها ثابتة بلا خلاف بين العلماء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومتفق عليها فلا ينبغي العدول عنها إلى أدعية اخترعها أصحابها لا دليل عليها من الشرع.
فالأدعية والأذكار نوعان:
نوع مقيد: وهو ما بينه الشارع وحدد كيفيته وهذا لا يجوز تجاوزه.
نوع مطلق: وهو ما أمر به الشارع وحث عليه دون بيان كيفية أو تحديد عدد أو وقت كما في قوله صلى الله عليه وسلم (فليدع ما شاء) (فليتخير من الدعاء ما أحب) ونحو ذلك.
فهذا للعبد الاجتهاد فيه بلا اعتداء في الدعاء ولا غلو إذ أن للدعاء آدابه.
الثالثة: جاء في الدعاء المذكور في الرسالة بعض الألفاظ نحو (عدد حلمك) وعدد (علمك) وعدد ما علمت وملء ما علمت وزنة ما علمت) ونحوها من الألفاظ والتراكيب غير العربية فالعلم والحلم ليستا من المعدودات وإنما يقال ( سعة علمه، وسعة حلمه) هذا مع ما في هذه الألفاظ من غلو لا يعرفه سلف هذه الأمة مع أنهم أشد حباً ونصراً وتعظيماً وتوقيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
الرابعة: التوجه إلى الله عز وجل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الله بجاهه صلى الله عليه وسلم أقل ما يقال فيه أنه مختلف فيه بين العلماء حلاً وتحريماً فتركه أولى فقد جاء في الحديث (دع ما يريبك إلى مالا يريبك).
ورحم الله مالكاً إذ يقول (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) وإذ يقول : (وخير الأمور السالفات على الهدى... وشر الأمور المحدثات البدائع).