حوار هادئ مع د. عبد الله الفارسي
بقلم حاكم المطيري
صحيفة الوطن 26/9/1993
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ، أما بعد فهذا رد موجز على ما كتبه عبد الله الفارسي في جريدة الوطن الخميس 2/9/1993م والذي حاد فيه عن جادة الصواب في مباحث الفكر وأسلوب الخطاب وتكلم في ما لا يحسنه فزلت قدمه في مداحض السبل ومضايق الفكر، وإن حسن قصده فرب مريد للخير لم يصبه، ورب كلمة قالت لصاحبها دعني!
وهذه بعض الملاحظات على ما كتب هدانا الله وإياه لما فيه الخير والصلاح:
1- ذهب الكاتب إلى أن لفظة(علماني) و(يساري) من ألفاظ التكفير ومن ثم حكم على من استخدمها بأنه تكفيري الفكر خارجي المنهج وهذا باطل من وجوه :
أ) إن هذه الألفاظ ومثلها الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية ونحوها ألفاظ أجنبية حادثة لا تدل في أصل وضعها عل كفر أو إسلام إلا بعد معرفة مدلولاتها ومضامينها ولهذا رأينا بعض الإسلاميين يستخدمونها كل إنسان بحسب تصوره لمدلولاتها ومضامينها وإن كان من السنة ترك الألفاظ الموهمة واستخدام المصطلحات والألفاظ الشرعية .
ومما بدل على ذلك إننا نرى من يفتخر لهذه الألقاب في عالمنا الإسلامي فرأينا الأحزاب الاشتراكية العلمانية والديمقراطية ونحوها وأهلها يتباهون بها فلو كانت من ألفاظ التكفير كما زعم الكاتب لما رضي بها أصحابها ممن ينتحل الإسلام دينا.
ب) ومن البديهيات أن من انتحل فكرا أو نهج منهجا أو بشر بفلسفة نسب لها فمن بشر بالعلمانية أو الاشتراكية أو الماركسية وصرح بها ودافع عنها فهو علماني أو اشتراكي أو ماركسي بحسب نحلته التي انتحل وهذا مما لا خلاف فيه بين الناس كافة ولهذا لا يجدون غضاضة في نسبتهم لها بل يفخرون بذلك ويميزون أنفسهم من غيرهم بهذه المصطلحات بل ويطلقون على من يدعو إلى الشريعة الإسلامية والحكم بها في واقع الحيـاة لفــظ(إسلامي) و(الحركات الإسلامية) و(التيار الإسلامي).
ج) أن السلف أطلقوا على كل صاحب نحلة وبدعة لقبا به يعرف وإليه ينسب وبه يوصف، ولعلها أبلغ وأوضح في الدلالة على الكفر من هذه المصطلحات الحادثة ومن ذلك لفظ (الجهمية) وهو يطلق على جهم بن صفوان وأتباعه والذي أفتى بكفرهم بعض علماء الإسلام وإنهم ليسوا من الفرق الإسلامية،ومع ذلك أطلق الإمام أحمد إمام السنة في عصره هذا اللفظ على من قال لفظي بالقرآن مخلوق وعلى من توقف في الأمر وعلى من تأول حديثا من أحاديث الصفات ومع هذا لم يكن يعتقد كفر كثير منهم وإنما قصد ردع الناس عن الخوض فيما خاض به الجهمية، ولهذا لم يكفر المأمون والمعتصم والواثق مع تعذيبهم له لأن الحكم على العيان بالكفر يحتاج إلى الشروط وارتفاع الموانع، وكذلك قال الشافعي لحفص الفرد كفرت لما جادله وقال القرآن مخلوق، وإن لم يقصد كفرا مخرجا من الملة كما رجحه شيخ الإسلام أبن تيمية.
فهل الشافعي وأحمد وغيرهما من أئمة الإسلام يحملون فكرا تكفيريا ومنهجا خارجيا عندما أطلقوا هذه الألقاب والأسماء على أهل البدع من المسلمين ؟ حاشا لله وإنما ألزموا كل صاحب نحلة ما التزم، وهذا هو النهج الصحيح في معاملة التيارات الفكرية المعاصرة فمن بشر بالعلمانية وصرح بها ودافع عنهم فهو علماني أيضا ولا يعني بالضرورة إنهم كفار لأن هذا يشترط فيه توافر الشروط وارتفاع الموانع وأكثرهم إما جاهل بالعلمانية أو جاهل بالإسلام وهذا مانع من الحكم عليهم بالكفر حتى يستبين لهم سبيل المؤمنين ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل إلا بيقين.
2- خلط الكاتب في مقاله الأوراق وقلب الحقائق وضلل القارئ وظهر ذلك واضحا من خلال ما يلي :
أ) قوله :(فكيف يجوز لأحد أن يسلب وصف الإسلام عمن يرتكب ذنوبا أقل من القتل كالزنا وشرب الخمر وترك الحجاب وحلق اللحى) .
ثم مثل مباشرة بسيد قطب رحمه الله وعبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله ونحن نسأل هل تقصد من ذكرهما والتمثيل يهما أنهما يقولان بهذا القول وإنهما يكفران شارب الخمر وحالق اللحية والزاني؟
إن قلت نعم ، فقد افتربت عليهما بهتانا عظيما، وإن قلت لا ، فلم ضللت القارئ وأوهمته إنهما يقولان ذلك بإيراد هذه العبارة والتمثيل بهما مباشرة؟
ب) وفي قوله :(فلا عجب إذا بعد ذلك إذا رأينا الشباب المعظمين لسيد قطب وعبد الرحمن عبد الخالق وأمثالهما متعطشين للحكم على الناس بالتكفير والنفاق ووصف المجتمعات الإسلامية بالمجتمعات الجاهلية وبالانسلاخ الكامل من الدين) .
وهذا تهويل وتضليل واستعداد للأنظمة عليهم وافتراء على الحقيقة، فلفظ(الشباب) جمع معروف بأل فأفاد العموم والاستغراق لجميع أفراده، فهل هذا هو الواقع ؟ وهل كل من يجل سيد قطب أو عبد الرحمن عبد الخالق متعطش للتكفير؟ كيف أطلعت على هذه الحقيقة ؟ مع أن العطش أمر وجداني!
وكيف عممت الحكم على جميع الشباب المحب لهما وهل تعرفهم جميعاً لتحكم عليهم حكما عاما؟
يا هذا .. أين أنت من قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله) فهل بعد هذا ظلم وتسليم وخذلان!
3 ـ كما يؤخذ على الكاتب تحريفه للنصوص تحريفا معنويا وويظهر ذلك جليا استدلاله بالحديث النبوي في وصف آخر الزمان : (وتنطق الرويبضة) في سياق التحذير من الدعاة والخطباء الإسلاميين حيث قال :(وأن لا يتسرع الشباب في قبول كل ما يأتيهم من الخطباء ومن يتسمون بالدعاة الإسلاميين فإن من علامات الساعـة (إن يقل العلماء ويكثر الخطباء) وكما جاء أيضا (وتنطق الرويبضة)) .
ونحن نقول للكاتب أهكذا تحرف النصوص ويتلاعب بها ؟ أيوصف المصلح والداعية إلى الله والمجاهد في سبيله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر(بالرويبضة) أتدري من الرويبضة ؟
إنه الحقير والرجل التافه يتكلم في أمر العامة كما فسرته الأحاديث ، أما الداعية إلى الله والخطيب والآمر بالمعروف ـ وإن وقع منه زلل إذ لا يشترط في من قام بهذه الوجبات إن لا يقع منه زلل بإجماع العلماء ـ لا يلقب بالرويبضة ولا يقال له تافه أو حقيـر غفر الله لنا ولك!
4- نقل الكاتب عن الطحاوية عقيدة أهل السنة والجماعة وإنهم لا يكفرون مسلما بذنب دون الشرك ما لم يستحله، وفهم الكاتب إن ذلك عام في كل ذنب ولم يفقه مراد أهل السنة في ذلك وإنما مرادهم بالذنب المعاصي والمحرمات التي يحرم فعلها مثل السكر والقتل والزنا فهذه لا يكفر فاعلها عند أهل السنة ما لم يستحلها ولهذا أوجب الله فيها العقوبات الشرعية تطهيراً لمن أقترفها، أما فرائض الإسلام فقد أختلف فيها أئمة السلف من الصحابة ومن بعدهم فمنهم من كفر تارك الصلاة وإن لم يستحل تركها ومنهم من كفر معه تارك الزكاة أيضا ومنهم من كفر من ترك فرضا من فرائض الإسلام وأن لم يستحل تركه، ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية مذاهب الفقهاء فيها وأنها أقوال في مذهب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم من الأئمة، وما زال بعض كبار علماء أهل السنة يفتون بكفر تارك الصلاة وإن لم يستحل تركها للنصوص الواردة في ذلك ولم يقل أحد أن هذا تشدد وتكفير للناس بمجرد الذنب.
5- وقال الكاتب :(ونحن نعلم أن قتال المسلم أعظم الذنوب بعد الشرك) وعلى هذه العبارة عدة اعتراضات منها :
أ) إن قتال المسلم ليس أعظم الذنوب بعد الشرك بل جاء في الصحيح (أي الذنب أعظم؟ قال : الإشراك بالله قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية الفقر) .
ب) أن قتال المسلم غير قتله ولم يفقه الكاتب الفرق بينهما وإنما يحرم قتل المسلم ظلما أما قتاله فقد يجب أحيانا فيقاتل الباغي والصائل وقاطع الطريق ويحرم قتله بعد القدرة عليه إلا بحكم الحاكم .
ج) أن قتل الإنسان ظلما و إن كان كافرا من السبع الموبقات كما جاء في الحديث (وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق) فالعبارة الصحيحة (قتل المسلم ظلما من أعظم الذنوب بعد الشرك) .
6- ثم نصب الكاتب نفسه قاضيا وإماما للجرح والتعديل ومع أن الحكم على الناس وبينهم يقوم على العدل والعلم لا على الجهل والظلم إلا أن الكاتب لم يوفق فصدر الحكم جائزا وهذا يظهر واضحا جليا في :
1) هجومه العنيف على علم من أعلام الصحوة الإسلامية وهو سيد قطب رحمه الله تعالى ووصمه بتهمة تكفير المسلم بالمعاصي والذنوب وإنه قتل بسبب قسوته على المجتمعات الإسلامية !
ونحن نقول له :
أ) ما حاجتك بالرجل وقد أفضى إلى ما قدم أما كان بالإمكان التحذير من فكر الخوارج دون ذكره ؟ أما كان في النصوص الشرعية التي أوردت كفاية في بيان الحق؟ أما كان في التلويح عندك ما يغني عن التصريح؟
ب) ثم زعم الكاتب ظلما وبهتانا أن سبب قتل سيد قطب قسوته على المجتمعات الإسلامية(فنتيجة قسوته في الأحكام على المجتمعات الإسلامية كان إعدامه) وكأن الأمة الإسلامية قد ضجت من قسوة سيد قطب واستصرخت الإمام العادل جمال عبد الناصر أن يريحها من شره فنزل جمال مكرها عند إرادة الأمة فقتله دفعا لقسوته على المسلمين!!!
فإذا كان الأمر كذلك فهلا أخبرتنا عن سبب قتل دكتاتور مصر العالم الجليل عبد القادر عودة ومن معه من الدعاة إلى الله قبل قتل سيد قطب بعقد من الزمن؟
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاهما وحتى سامها كل مفلس