فتوى في حرمة المشاركة في
العدوان على العراق
17 /1 /1424هـ
20 / 3/ 2003
حكم المشاركة في الحرب العراقية *
إلى الشيخ د. حاكم المطيري وفقه الله السلام عليكم ورحمة الله تحية طيبة
وبعد:
فقد صدرت مؤخرًا فتوى من عمادة كلية الشريعة بجواز المشاركة في الحرب على
العراق وأن ذلك من الجهاد في سبيل الله بدعوى أن العراق فئة باغية وأن الحرب هي على
الحزب الحاكم لا على العراق وشعبه وبدعوى أن إعانة أمريكا جائزة قياسًا على الاستعانة
بها سنة 1990 وأن من يرفض المشاركة فيها مغرر به وجاهل في أحكام الشريعة ... إلخ.
والسؤال هو: ما مدى صحة هذه الفتوى شرعًا؟ وما حكم المشاركة في هذه الحرب؟
علمًا أن الموقف الحكومي الرسمي هو أن الكويت ليست طرفًا في هذه الحرب
ولن تشارك فيها وأنها ملتزمة بقرار الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي الرافض
للحرب إلا أنها لا تستطيع المنع من استخدام أراضيها وأن قواتها وقوات درع الجزيرة إنما
هي للدفاع عن نفسها أفتونا مأجورين مع التفصيل فقد أشكل علينا الأمر.
مقدمه: مجموعة من طلبة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت.
الجواب: هذه الفتوى المذكورة ظاهرة البطلان ومصادمة للنصوص القرآنية والأحاديث
النبوية والإجماع المعلوم من الدين بالضرورة القطعية ومخالفة للقواعد الشرعية والأصول
المرعية للفتوى وذلك من وجوه:
الأول: أن إعانة غير المسلمين في حربهم على المسلمين محرم بالإجماع القطعي؛ لقوله
تعالى في شأن مناصرة غير المسلمين (بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) قال
ابن حزم في المحلى 10 /138 (هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار وهذا حق لا يختلف
فيه اثنان من المسلمين) واحتج القرطبي في تفسيره 6 /217 بهذه الآية على ردة من أعانهم،
وقد عدّها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من نواقض الإسلام؛ كما في الدرر السنية 10 /92
ونقل الشيخ ابن باز الإجماع على ذلك فقال في الفتاوى 1 /274: (أجمع علماء الإسلام على
أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من أنواع المساعدة فهو كافر مثلهم)
واحتج بهذه الآية.
الثاني: أن قياس إعانتهم في حربهم للمسلمين على الاستعانة بهم قياس فاسد الاعتبار؛
إذ هو قياس قضية إجماعية وردت فيها نصوص قطعية على قضية خلافية بين الفقهاء تعارضت
فيها الأدلة وهي قضية الاستعانة بهم لدفع عدو مشترك أو لدفع عدوان مسلم ظالم صائل على
المسلمين.
الثالث: أن الاستعانة بهم سنة 1990م جازت للضرورة دفعًا لعدوان العراق وتقدر الضرورة
بقدرها؛ فلا يقاس عليها إعانتهم في عدوانهم على العراق؛ لقوله تعالى: (ولا تعتدوا)
وقوله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وقوله ﷺ: (ولا تخن من خانك).
الرابع: أنه لا يعرف في تاريخ المسلمين كله ولا في علمائهم من أفتى بجواز إعانتهم
على المسلمين، وليس لهؤلاء الذين يجيزون إعانتهم سلف؛ اللهم ما كان من نصير الطوسي
وابن العلقمي اللذين شجعا التتار على دخول بغداد سنة 656 هجرية بدعوى رفع الظلم عن
أهلها؛ فقتل التتار مليوني مسلم؟!!
الخامس: أن الفصل بين النظام الحاكم في العراق وشعبه والقول بأن العدوان هو على
الحزب لا على العراق وشعبه تضليل واضح؛ إذ لا يمكن فك الارتباط بين الشعب والدولة والنظام،
لا واقعيًا ولا سياسيًا ولا قانونيًا، فأي عدوان خارجي على حكومة دولة ما؛ هو عدوان
بالضرورة على شعبها وأرضه، وهذا ما لا خلاف فيه بين دول العالم؛ ولهذا لا يفرق ميثاق
الأمم المتحدة والقانون الدولي في حكم العدوان الخارجي على الدول بين العدوان على الأنظمة
والعدوان على الشعوب والأوطان؛ لاستحالة الفصل واقعيًا؛ إذ الحرب لا تقتصر عند وقوعها
على النظام فقط؛ بل تشمل الأرض والشعب ويقع الضرر والدمار عليهما قبل أن يقع على النظام،
فمن أجاز الاعتداء الأمريكي على العراق؛ فقد أجاز ضرورة الاعتداء على الشعب العراقي
المسلم الذي سيضطر أن يدافع عن أرضه ونفسه وماله وعرضه، وإن لم يدافع عن النظام؛ كما
لن يكون في مأمن من القصف والتدمير حتى وإن لم يقاتل، وقد لا يكون النظام البديل أحسن
حالًا من الأول؛ كما حصل في أفغانستان، ولا يمكن إباحة تدمير بلد مسلم وتدمير شعبه
في حرب كارثية وباستخدام أفتك الأسلحة بدعوى أن نظامه غير إسلامي!
السادس: أن علماء الأمة منذ سقوط الخلافة إلى اليوم وهم يعيشون في دول أكثر حكوماتها
غير إسلامية، ومع ذلك؛ لم يختلفوا في وجوب دفع عدوان الاستعمار عن بلاد المسلمين وتحريم
التعاون معه؛ بصرف النظر عن الحكومات وشرعيتها مراعاة للمصالح الكلية للأمة الإسلامية؛
كما جاء في فتوى العلامة المحدث القاضي أحمد شاكر في رسالته كلمة حق ص 126 في حكم التعاون
مع الإنجليز والفرنسيين في عدوانهم على مصر وبلدان المسلمين؛ حيث قال: (أما التعاون
بأي نوع من التعاون قل أو كثر؛ فهو الردة الجامحة والكفر الصراح لا يقبل فيه اعتذار،
ولا ينفع معه تأول سواء كان من أفراد أو جماعات أو حكومات أو زعماء كلهم في الكفر سواء
إلا من جهل وأخطأ ثم استدرك فتاب).
ومعلوم حال أكثر الحكومات في عصر الشيخ احمد شاكر وأنها لم تكن إسلامية
إلا بالاسم كما هو حال الحكومة المصرية إبان العدوان الثلاثي على مصر الذي أجمع العلماء
آنذاك على ضرورة صده عن مصر وشعبها بقطع النظر عن طبيعة النظام الحاكم.
السابع: أن قاعدة سد الذرائع؛ تقضي بضرورة رفض مثل هذه الحرب وتحريم المشاركة فيها
على فرض أنها جائزة في الأصل؛ إذ تبريرها يفضي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام عودة
الاستعمار الغربي من جديد، وتدخل دوله في شؤون العالم الإسلامي تارة بدعوى الحيلولة
دون انتشار الأسلحة المحظورة، وتارة بدعوى حماية حقوق الإنسان، وتارة بدعوى تغيير الأنظمة
الدكتاتورية، وإقامة أنظمة ديمقراطية عميلة، وتارة بدعوى مكافحة الإرهاب، وما من دولة
عربية وإسلامية إلا ويمكن توجيه كل هذه الاتهامات إليها أو بعضها؛ ليصبح العالم العربي
والإسلامي مسرحًا للحروب الاستعمارية من جديد.
الثامن: أن قاعدة دفع المفاسد ودفع الضرر الأكبر بالأصغر؛ تقضي بوجوب رفض هذه الحرب
على فرض جوازها في الأصل؛ إذ لا سبيل إلى مقارنة الضرر الحالي الواقع على الشعب العراقي
بالضرر الذي سيقع عليه بعد شن الحرب التي قد تفضي إلى دمار شامل يذهب ضحيته آلاف الأبرياء
في الداخل من الأطفال والشيوخ والنساء، وقد يؤدي إلى تخلف العراق عقود من الزمن، وقد
لا يسقط بعدها النظام، وقد لا يكون النظام البديل أحسن حالًا أو لا تقوم حكومة قادرة
على تحقيق الأمن والاستقرار؛ كما حصل في أفغانستان ويحصل فيه الآن، مع أن من حق الشعب
العراقي شرعًا وجميع الشعوب الإسلامية تغيير مثل هذه الأنظمة الاستبدادية، ولو بالقوة
إذا استطاعت.
التاسع: أنه على فرض عدم وجود نصوص تحرم الإعانة على هذه الحرب والمشاركة فيها،
فإن السياسة الشرعية؛ تقضي برفضها؛ إذ أن دول العالم التي وقفت مع الكويت ضد العدوان
العراقي التزامًا منها بالميثاق الدولي الذي يمنع الاعتداء بين الدول؛ هي التي ترفض
اليوم الاعتداء على العراق التزامًا بنفس الميثاق؛ فالسياسة الشرعية تقتضي منها الالتزام
بهذا الموقف، وكما لم يقبل العالم ادعاء العراق بأن عدوانه كان بقصد تغيير نظام الحكم
في الكويت لا لاحتلالها؛ بحجة أن هذا تدخل في الشئون الداخلية لدولة الكويت وهو خرق
للميثاق الدولي؛ كذلك لم يقبل العالم ادعاء أمريكا وتبرير عدوانها على العراق، وقد
صرح الأمين العام للأمم المتحدة بعدم قانونية هذه الحرب، ومن الخطأ الفادح والخطل في
الرأي تأييد مثل هذا العدوان وترسيخ مبدأ عدوان الدول الكبيرة على الدول الصغيرة حتى
ولو لم تكن دولًا إسلامية، وقد قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا
هو أقرب للتقوى) فالظلم محرم مطلقًا مع المسلم وغير المسلم والصديق والعدو والعدل واجب
مطلقًا مع المسلم وغير المسلم ومع الصديق والعدو؛ فلا يمكن قبول العدوان على بلد أو
ظلمه؛ لأنه عدو لنا.
العاشر: أن أحكام الفئة الباغية خاصة في القتال بين طائفتين من المسلمين؛ فيجب
على المسلمين قتال الطائفة الباغية منهما حتى تفيء إلى أمر الله أما الحرب التي تشنها
أمريكا على العراق؛ فهو قتال بين دول مسيحية وبلد إسلامي محاصر، فإن لم يكن شعب العراق
هو الطرف المسلم الذي يجب نصره؛ وإلا فليس هناك من يجوز إعانته في هذه الحرب، ولا يمكن
تنزيل أحكام الفئة الباغية على مثل هذه الدول غير الإسلامية، وقد أجمعت الدول العربية
والإسلامية على رفض الحرب على العراق؛ كما صرحت الكويت أنها ليست طرفًا فيها ولن تشارك
في عملياتها؛ فلا يمكن والحال هذه ادعاء مشروعيتها وعدها جهادًا في سبيل الله؛ بدعوى
أنها من أجل الدفاع عن الكويت ومن باب دفع الفئة الباغية؛ إذ العالم كله يعلم أن سببها
الظاهر نزع أسلحة العراق، لا من أجل أن يفيء العراق إلى أمر الله؛ كما جاء في الفتوى
المذكورة على لسان عميد الكلية محمد الطبطبائي.
وأخطر من ذلك الادعاء بأن إعانة أمريكا في هذه الحرب هي من باب الجهاد
في سبيل الله؛ وهذا من القول على الله بلا علم، ومن محادة الله ورسوله ومضادة حكمهما،
ووصف ما أجمع المسلمون على أنه ردة وكفر بأنه جهاد وطاعة هو استحلال لما حرم الله ورسوله
بالنصوص القطعية.
وهذا كله على فرض أن الهدف من الحرب هو إسقاط النظام العراقي فقط فكيف
إذا كان لها أهداف أشد خطرًا وأبعد أثرًا على العالم الإسلامي كله؛ كما صرح بذلك المسئولون
الأمريكيون أنفسهم؛ كما جاء في إعلان الرئيس الأمريكي بأن الحرب ستكون صليبية، وهو
ما أكدته الوقائع والأيام كما في أفغانستان بالأمس والعراق اليوم وغدًا سوريا والمملكة...إلخ،
وهو ما اعترف به وزير الخارجية الأمريكي الذي أعلن أنه سيتم إعادة تغيير خريطة المنطقة
بشكل جذري؛ بما يضمن أمن إسرائيل وتفوقها العسكري ويؤمن لأمريكا السيطرة على المنطقة.
فكل ما سبق ذكره كاف في بيان عدم صحة تلك الفتوى وبطلانها، وأما من رفضوا
المشاركة في الحرب على العراق؛ فهم مأجورون إذ يحرم على المسلم أن يشارك في عمل محرم
وليس له أن يطيع أحدا في معصية الله ورسوله؛ كما في الحديث الصحيح: (إنما الطاعة بالمعروف)
و(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فحصر الشارع الطاعة فقط بالمعروف؛ فلا طاعة في أمر
منكر ولا فيما فيه شبهة؛ كما في الحديث الصحيح: (فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه
ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) وقد امتنع أكثر الصحابة من القتال مع الخليفة الراشد
علي بن أبي طالب؛ لأنه قتال شبهة وفتنة بين المسلمين؛ فاعتزلوه ولم يروا له عليهم طاعة
مع بيعتهم له؛ لما علموه من أن الطاعة إنما هي بالمعروف؛ ولهذا عذرهم ثم غبطهم على
ذلك بعد ذلك، وقد قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
ولا شك بأن الحرب التي تشنها أمريكا على العراق ليست من البر والتقوى؛ بل هي من الإثم
والعدوان باعتراف العالم ومنظماته الدولية، وعلى أحسن أحوالها؛ فهي من الفتن والشبه
التي يجب الكف عنها وعدم الخوض فيها، فقد جاء الحديث الصحيح: (لا يزال المسلم في فسحة
من دينه ما لم يصب دما حرامًا) وجاء أيضًا: (اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر
وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق).
ومعلوم أن هذه الحرب سيذهب ضحيتها آلاف الأبرياء من المسلمين الضعفاء في
العراق؛ كما جرى في أفغانستان وسيبوء بإثمهم كل من شارك فيها أو حث عليها ولو بكلمة؛
كما في الحديث (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة؛ فقد يئس من رحمة الله) فكيف بمن
يشارك في حرب عدوانية قد يذهب فيها العراق كله؟! فيحرم المشاركة فيها بأي نوع من أنواع
الإعانة في العدوان على الشعب العراقي المسلم؛ كما قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله
تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله
في شيء) قال: (المعنى لا تتخذوهم أنصارا توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين
وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك؛ فليس من الله بارتداده عن دينه ودخوله في
الكفر إلا أن تتقوا منهم تقاة بأن تكونوا في سلطانهم فتخافونهم على أنفسكم فتظهرون
لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة ولا تعينوهم على مسلم بفعل) وأما المشاركة
في قوات درع الجزيرة لحماية أمن دولة الكويت من أي عدوان قد يقع عليها أثناء هذه الحرب؛
فجائزة شرعًا، وكذا المشاركة في لجان الإغاثة لإنقاذ اللاجئين من الشعب العراقي، والله
تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.