بل أزمة إرادة
?xml:namespace>
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 10/10/2001
?xml:namespace>
هل المسلمون يواجهون ويعيشون (أزمة فكرية) فعلاً كما ادعى د. علي الزميع المفكر الإسلامي ووزير الأوقاف الأسبق في المقابلات التلفزيونية يومي الاثنين والسبت الماضيين؟ وهل هذه (الأزمة الفكرية) هي التي تحول حقاً بين الأمة والخروج من هذا الواقع المتخلف؟ وهل يشترط لتحقق النهضة ألا يكون هناك (أزمة فكرية)؟
لقد حاول الوزير السابق أن يحمل الشعوب مسؤولية هذا التخلف ويبرئ الأنظمة – من طرف خفي ـ إذ أن المشكلة في نظره (أزمة فكر) على المفكرين طرح الحلول لها ومعالجتها قبل أن يحاسبوا حكوماتهم؟
بينما الواقع يخالف هذه الدعوى وينقضها من أساسها فقد خرجت الثورة الفرنسية من رحم الأزمة الفكرية والسياسية التي كانت تعيشها فرنسا ولم يطرح قادتها مشروعاً كاملاً أو برنامجاً شاملاً وإنما طرحوا فكرة عامة ومبادئ إنسانية مجردة وكذا كان حال الثورة الأميركية والثورة الشيوعية في روسيا وكذا قامت النهضة اليابانية منذ أواسط القرن التاسع عشر دون أن يكون هناك مشروع إصلاحي كامل أو برنامج سياسي واقتصادي شامل ودون الدخول في جدل بيزنطي حول ثقافة وفكر الشعب الياباني أو حول لغته وتاريخه كما هو حاصل اليوم في عالمنا العربي والإسلامي بل كان تصميم إمبراطور اليابان آنذاك على اللحاق بأوروبا الصناعية كافياً وحده في تذليل كل السبل أمام نهضة اليابان الحديثة لقد كانت(الإرادة الحرة) هي كل ما احتاجته الثورة الفرنسية والثورة الأميركية والثورة الروسية للخروج بتلك الأمم من أزماتها ولو كان حل (الأزمة الفكرية) شرطاً لقيام نهضة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة لما خرجت هذه الأمم من أزماتها ولما تحققت نهضتها أبداً.
إن أزمة الأمة اليوم هي أزمة (إرادة) لا أزمة (فكر) وهي أزمة تعاني منها الأنظمة الحاكمة والشعوب على حد سواء وإن ما يردده المفكرون والسياسيون (المترفون) عن (الأزمة الفكرية) ما هو إلا (ترف فكري) ومظهر من مظاهر الأزمة نفسها واختزال للحقائق وتضليل للرأي العام فالأزمة تتمثل في (فقدان الإرادة) وعجز قادة الأمة من العلماء والمفكرين والسياسيين عن العمل على تغيير الواقع نحو الأفضل!
إن لدينا آلاف المفكرين والسياسيين الذين يحسنون (الثرثرة) حول أهمية (الحرية) إلا إنه لا يكاد يوجد بينهم من يجرؤ على أن يضحي من أجلها كـ "نلسون مانديلا"!
ألا إن الإدعاء بأنه لا سبيل إلى النهضة والتقدم إلا بعد حل مشكلات (الأزمة الفكرية) لدى التيارات الفكرية في العالم العربي هو محض افتراء وخداع وإعفاء للأنظمة والحكومات من مسؤوليتها عن تخلف عالمنا العربي في الوقت الذي استطاعت كثير من الأنظمة أن تنهض بدولها ومجتمعاتها قبل حسم الخلافات الفكرية فيها بل لقد نهضت أوروبا منذ أربعة قرون في عهد الملكيات الاستبدادية قبل أن تعرف أو تحسم الخلاف حول (حق الشعب) و(حق الفرد) و(حق المرأة) وقبل أن تعرف الليبرالية أو الاشتراكية ... الخ.
وكذا نهضت روسيا والصين في ظل حكم شمولي استبدادي ونهضت اليابان في ظل الإمبراطورية قبل أن تعرف الديمقراطية وهذه أندونيسيا وماليزيا وتركيا على طريق النهضة الصناعية قبل حسم الخلاف الفكري بين التيار الإسلامي والتيار العلماني فيهما وواقعهما الثقافي والفكري شبيه بالواقع الثقافي والفكري في سائر دول العالم الإسلامي ولم يحل ذلك بينهما وبين النهضة الصناعية مما يكشف عن زيف اشتراط حل (الأزمة الفكرية) كشرط ضروري للنهضة.
إننا لا ندعو إلى (الحرية) لكونها شرطاً لتحقق النهضة كما يتوهم الليبراليون العرب إذ الواقع يثبت أن النهضة تحققت في ظل أنظمة استبدادية بل نحن ندعو إلى (الحرية) وندافع عنها لكونها حقاً للشعوب والأفراد وهبهم الله إياها كما وهبهم الحياة سواء تحقق في ظلها تطور وازدهار أم لم يتحقق إذ جعلها شرطاً للنهضة يفقد (الحرية) قيمتها ويقلل من أهميتها، إن الأزمة التي يعيشها عالمنا العربي ليست أزمة (فكر) بل أزمة (إرادة) تتمثل في هذا الاستسلام للفناء فلا الحكومات قادرة على مواجهة التحديات الخارجية بل ولا تريد مواجهتها! ولا الشعوب قادرة على تغيير أوضاعها الداخلية بل لا تريد تغييرها!
ليبدأ (المترفون فكرياً) في ظل هذه الأوضاع بالتحليل والتعليل والتضليل للرأي العام والمساهمة في تغييب الوعي وليصدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" وتركوا العمل وصدق الله "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فلا إصلاح بلا عمل ولا عمل بلا إرادة.