العلمانيون وسقوط القناع
بقلم : د .حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
الوطن : 28/6/2001
أليس تناقضا فاضحا أن يتباكى (الليبراليون) على حقوق الإنسان وحرية الأديان في الوقت الذي يؤيدون فيه ـ تحت قبة البرلمان ـ وأد حقوق (البدون) والتضييق عليهم والحيلولة دون تجنيسهم في أبشع صورة من صور العصبية (الفاشستية) البغيضة وحب الذات والأثرة والأنانية؟ أليس هؤلاء (البدون) من بنى الإنسان؟! أما يعرف (الليبراليون) الإنسانية وحقوق الإنسان إلا حينما يكون الإنسان غير عربي وغير مسلم تماما كما يتعامل الغرب مع هذا المفهوم؟
أليس تناقضا فاضحا أن يدعو ليبراليو اليوم ـ ماركسيو الأمس ـ إلى إغلاق جمعية خيرية إسلامية وفروعها بدعوى أنها في المناطق السكنية في الوقت الذي ينادون فيه بالسماح بإقامة معابد وثنية في مناطق سكنية تحت ذريعة حرية الأديان وحقوق الإنسان؟!
أليس تناقض فاضحا أن يؤيد (الليبراليون) كل نظام يحول دون تحاكم المسلمين إلى شريعتهم مهما كان هذا النظام ديكتاتوريا بل يحرضون الدول الاستعمارية على التدخل أو وأد إرادة الشعوب التي تريد التحاكم إلى دينها؟!
لقد نص الفقهاء على أن لغير المسلمين في الدول الإسلامية الحق في التحاكم إلى شرائعهم الخاصة بهم وأنه يحرم إلزامهم بالتحاكم إلى الشريعة الإسلامية لأنه من الإكراه الذي يتنافى مع قوله تعالى }لا إكراه في الدين{ فكيف يؤيد (الليبراليون) اضطهاد الشعوب الإسلامية وإرغام المسلمين على التحاكم إلى (الطاغوت) وهو ما يناقض إيمانهم وعقيدتهم؟ أليس هذا إكراها واعتداء على حقوق هذه الشعوب وانتهاكا لحرياتها الدينية؟!
أليس فرض العلمانية على المسلمين هو مما يناقض الدعوة إلى احترام حريات الشعوب وحقوقها ومما يتنافى مع حرية الأديان وحقوق الإنسان؟ فإذا كان المسلم مأمورا وفق ما جاء في القرآن بالتحاكم إلى الشريعة وأنه لا يكون مسلما ولا مؤمنا إلا بذلك كما قال تعالى }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم{ وإذا كان تحاكم المسلم إلى غير الشريعة يخرجه من دائرة الإيمان كما قال تعالى }يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا { ـ وهذا كله محل إجماع بين المسلمين كافة ـ فكيف يمكن إلزام وإكراه المسلم بفعل أمر يخرجه من دائرة الإسلام ويناقض إيمانه وعقيدته ثم يقال له إن العلمانية والليبرالية تدافع عن حقوق الإنسان وحرية الأديان؟! ألا تعنى حرية الأديان ألا يلزم الإنسان بفعل أمر محرم في دينه؟
فكيف إذا كان هذا الفعل كفرا يخرجه من هذا الدين كما هو الشأن في حكم التحاكم إلى غير حكم الله ورسوله ؟ وليست العبرة هنا مرتبطة بصحة أو خطأ هذا التصور والاعتقاد في نظر هذا الفريق أو ذاك، بل هي مرتبطة بإيمان الناس بهذه العقائد نفسها بغض النظر عن كونها حقا أو باطلا في واقع الأمر ، فإذا كان المسلمون يعتقدون أن التحاكم إلى غير الشريعة كفر ومحرم في دينهم فليس من حق العلمانيين والليبراليين أن يدعوا بأن هذا غير صحيح ، بل يجب عليهم إن كانوا يؤمنون بمبدأ حرية الأديان أن يرفضوا إلزام المسلمين بالتحاكم إلى القوانين في شريعتهم وانتهاك لحقوقهم وكرامتهم .
إن المسلمين يتعرضون لأشد أنواع الاضطهاد الديني في بلدانهم التي تتحاكم إلى القوانين الوضعية دع عنك دول العالم الآخر الذي ما زال أكثره لا يعترف أصلا بالإسلام كديانة، حتى لا تكاد توجد محاكم إسلامية في الدول الغربية الليبرالية نفسها يستطيع المسلمون هناك أن يتحاكموا إليها في شؤونهم الخاصة وأحوالهم الأسرية مما يضطرهم إلى التحاكم إلى محاكم الوضعية هناك دون أن تراعي تلك الدول أن ذلك يناقض أصل الإيمان عند المسلمين ، ومن ثم يصطدم بمبدأ حرية الأديان وحقوق الإنسان وهو الشعار الذي طالما روجه الغرب ودافع عنه !
إن الإسلام يضمن لغير المسلمين في الدول الإسلامية حقوقا لا يجدها المسلمون في الدول غير الإسلامية ومن ذلك عدم إلزام غير المسلم بالتحاكم إلى الشريعة وعدم إكراهه على ما هو محرم في دينه وعدم إلزامه بالخدمة العسكرية حتى لا يحارب أهل دينه في أي معركة وهو ما قد يناقض إيمانه وعقيدته!
إن مبدأ حرية الإيمان لا ضابط له عند غير المسلمين بينما له ضوابط في الشريعة الإسلامية قبل أن يعرف العالم كله هذا المبدأ الذي كان الإسلام هو أول من دعا إليه وقرره وطبقه كما قال تعالى } من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر { وهذا لا يكون على حساب الإسلام نفسه وإنما يكون تحت ظله وحكمه وعدله كما قال تعالى } هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله { .