تحرير الإنسان تحرير الأوطان
د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
الرأي العام 21/9/2002
قال جمال الدين الأفغاني وهو يتحدث عن أساليب الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي في القرن التاسع عشر ـ وما أشبه الليلة بالبارحة ـ "برز الأوروبيون بضروب السياسة لتوسيع ممالكهم، وتفننوا بإيجاد الوسائل المؤدية لذلك وكان أسبقهم في الدهاء (الإنكليز) فهم أول من رأى أن الفتح بالجيوش والقتال من مزعجات الأمور، وأن الدخول من باب المكر واللين والخديعة أسهل وأوفر، ولا تسير دول الاستعمار إلا إلى البلاد الغنية في ثرواتها ومعادنها، ومن كان أهلها في الدرك الأسفل من الجهل قد خيم عليهم الخمول، لا يبدون حراكاً، ولا يقربون عراكاً ! وإذا دخل الاستعمار من باب الانتصار للملك أو تثبيت الملك أو قمع الثورة وكان بلباس الأصدقاء المخلصين أو محبين للشعب ورقية فهناك تبقى مظاهر الأمور محفوظة، وبعض التقاليد التافهة مأمونة، يشكلون للأحكام وإدارة البلاد هياكل من الناس ويتركون معهم ملك البلاد قبة جوفاء يرجع منها صدى الصوت فقط، وليس لهم من الأمر إلا إتباع الأمر لا غير، إن الاستعمار هو تسلط دون وشعوب أقوياء علماء على شعوب ضعيفة جهلاء" (الخاطرات ص199).
لقد عاد الاستعمار الغربي من جديد غير أنه هذه المرة قد أحكم خططه وتجاوز أخطاءه في الماضي ومهد الطريق لقدومه بتجنيد مئات الكتاب ورجال الفكر لخدمته فكرياً وثقافياً ليعملوا على تخدير الشعوب وتضليلها باسم العلم والحضارة الإنسانية حتى لا تأنف من وجود الاستعمار وتحكمه في شؤونها ولا تبدي حراكاً، ولا تقرب عراكاً ! إلى أن وصل الأمر بأدعياء الفكر والثقافة من طلائع الاستعمار وطابوره الخامس أن جعلوا يوم استيلاء الجيش الفرنسي على مصر قلب العالم العربي عيداً يحتفلون بذكراه وعدوه بداية النهضة العربية!
لقد أدرك الاستعمار ضرورة تحطيم الروح القومية والدينية والأخلاقية للشعوب التي يسيطر عليها، إذ يمثل الحس القومي والديني والأخلاقي خط الدفاع الرئيسي ضد الاستعمار فإذا تم تحطيمه بنشر الأفكار الشعوبية والإلحادية والانحلالية التي تحط من شأن تلك الروح وتحطم ذلك الحس سهلت السيطرة بعد ذلك على هذه الشعوب بل تصبح الشعوب أكثر تشبثاً بالاستعمار من الاستعمار نفسه!
لقد أدرك الزعيم الألماني (أدولف هتلر) هذه الحقيقة حيث شخص هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وعزىً ذلك إلى ما قام به الطابور الخامس من خلال وسائل الإعلام من "الحط من شأن التراث الألماني وما أجمعت الأمة على تقديسه وقطع كل صلة بين الماضي والحاضر وشن حملة مركزة على الدين ورجاله تحت ستار الدعوة إلى تقديس حرية الاعتقاد"! فقد أدرك أعداء ألمانيا من اليهود والماركسيين كما يقول هتلر: "إن أمة متدينة عن إدراك وإيمان هي أمنع من أن تسلم قيادها للمغامرين الدوليين"!.
كما سعى الطابور الخامس في ألمانيا إلى "تخدير الشعب بالدعايات السلمية ـ السلام العالمي ـ وشل حيوية الأمة بالترويج للإباحية والرذيلة تحت ستار الدعوة إلى التحرر"!.
فهذا ما قاله الزعيم الألماني عن دور الطابور الخامس في ألمانيا وكأنما يتحدث عنه في العالم العربي!
ولم يكتف الاستعمار الجديد بتوظيف أصحاب الأقلام لخدمته بل استطاع أيضاً توظيف الأديان ورجالها في خدمته فلم يدخل الاستعمار بلداً إلا ووجد أو أوجد من رجال الدين من يتبرعون للأنظمة التي أقامها الاستعمار بإصدار الفتاوى التي تحرم مقاومته وتضفي الشرعية على وجوده وتعد جهاده إرهاباً وتطرفاً!وما يزال الطابوران من رجال الفكر والدين يمارسان دورهما في تحطيم روح العداء للاستعمار وإطفاء جمرة الغضب في نفوس الأحرار باسم الدين والفكر حتى تتحول الشعوب إلى قطعان من العبيد ترسف في قيود العبودية وأغلال التبعية وتتلذذ بسياط جلاديها وترفض الاستقلال والحرية ليصدق القول بأن (الدين والفكر أفيون الشعوب) وليصدق قول عنترة الجاهلي:(إن العبد لا يحسن القتال والكر بل يحسن الحلب والصر) فتحرير الإنسان هو الطريق إلى تحرير الأوطان.