الخداع الحضاري
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 26/12/2001
كن حليماً إذ بليت بغيظ وصبوراً إذا أتتك مصيبه
فالليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبه
ضحكت مرتين ـ مع ندرة ما يدعو إلى الضحك هذه الأيام عندما قرأت خبر المؤتمر الذي دعت إليه الجامعة العربية لمناقشة موضوع (حوار الحضارات) بهدف الدفاع عن الحضارة الإسلامية والثقافية العربية بعد الهجوم الإعلامي الغربي عليها؟!
وكنت أظن ـ وأكذب الحديث الظن ـ أن المثقفين العرب لا يجيدون فن التمثيل حتى طالعت أخبار ذلك المؤتمر (المسرحي) والحفل (التنكري) الذي أشرفت عليه الجامعة العربية وكان بحق أمتع عمل مسرحي كوميدي لهذا العام!
فقد ضحكت المرة الأولى عندما قرأت أسماء المثقفين والمفكرين المشاركين في هذا المؤتمر فإذا أكثرهم من أشهر (سماسرة) الحضارة الغربية في عالمنا العربي ومن أكثر (كهنتها) العاكفين في محرابها على التسبيح بحمدها والتقديس لجنابها ومن أقدم (سدنتها) القائمين على خدمة أعتابها ممن لا زالت أقلامهم تقطر دما وقولبهم حقداً على كل ما يمت بصلة للثقافة العربية والحضارة الإسلامية فإذا هم فجأة يتحدثون باسمها ويتظاهرون بالاهتمام بها؟!
أي موهبة فنية هذه التي استطاع بها هؤلاء الكهنة والسدنة أن يتصدوا للحديث باسم الحضارة الإسلامية ؟! إن الغرب لم يجد في صراعه الحضاري مع الشرق الإسلامي ولن يجد من هو أقدر من هؤلاء على تمثيله في هذه الحرب الحضارية ولا أجرأ منهم على التبشير بقيمه الثقافية فكيف يتوقع من هؤلاء وضع حلول لمنع الصدام الحضاري في الوقت الذي لا يؤمنون فيه أصلاً بوجود أي حضارة إلا الحضارة الغربية وقيمها الثقافية ؟! وهل يتصور أن يشارك في حل مشكلة ما من ينكر وجود هذه المشكلة من أصلها؟!
وضحكت مرة ثانية وأنا أطالع أخبار هذا المؤتمر (المؤامرة) عندما قرأت دعوة بعض المؤتمرين (المتآمرين) إلى تغيير المناهج الدراسية لتصبح أكثر انفتاحاً وتسامحاً مع الآخر ؟!!
ولم يقل لنا هؤلاء (المهرجون) كيف يتسامح المغلوب مع الغالب والمظلوم مع من ظلمه واغتصب أرضه وحقوقه ؟!
ثم من هو هذا الآخر وما هي حدود هذا التسامح معه وهل هناك من هو أكثر انفتاحاً وتسامحاً من عالمنا العربي الذي لم يعد في العير ولا في النفير ولا ينصر صديقاً ولا ينكأ عدواً ولا يملك من أموره حلاً ولا عقداً؟!
أيريد منا هؤلاء (المتآمرون) استسلاماً واسترسالاً مع أهواء القوى الاستعمارية أكثر مما نحن عليه اليوم؟ وهل بقي من مفهوم السيادة عندنا ما يستر عوار دعوى الاستقلال؟!
إن تسامح الضعفاء ما هو إلا جبن واستخذاء ورذيلة لا فضيلة وإنما يتسامح من كان حراً قوياً قادراً على العفو والصفح أما الأمم التي ما تزال تسام الخسف وتتجرع كأس الذل وتعيش تحت ظل الاستعمار العسكري والاقتصادي والثقافي فتسامحها وعدمه سواء.
إن المناهج التي يدعو هؤلاء إلى تغييرها لتكون أكثر تسامحاً هي نفسها التي جعلت من شعوب العالم العربي شعوباً خانعة تتلذذ بالعبودية وتعشقها وتكره الحرية وتخشاها وتطبل لكل طاغية وتخضع لكل مستعمر حتى صارت كالإبل الهائمة والغنم السائمة بسبب هذه المناهج التربوية التي وضعت تحت عين المستعمر ووفق إرادته.
إن الدعوة إلى تغيير المناهج ما هي إلا استجابة مكشوفة لما سبق إن دعت إليه بعض القوى الدولية الاستعمارية وتم الإعلان عنه بكل صراحة ووضوح كهدف جديد فجاء أولئك السماسرة العرب ليروجوا لهذه الدعوة تحت ستار (حوار الحضارات)؟!
إن القوى الاستعمارية لم تكتف بالسيطرة العسكرية والاقتصادية والثقافية بل تريد السيطرة حتى على عواطفنا ومشاعرنا فعلينا أن نحب من تحبه هذا القوى وأن نكره من تكره فيجب أن نسالم (شارون) بدعوى السلام العالمي وأن نعادي (طالبان) بدعوى مكافحة الإرهاب؟! لا بل ويجب أن يتم ذلك كله تحت مظلة الجامعة العربية وباسم الحضارة الإسلامية وبدعوة الحيلولة دون اصطدام الحضارات؟!.