وهم الحرية .... وحرية الوهم
بقلم: د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 6/5/2002
أن تمارس الشعوب "حرية الوهم" خير لها ألف مرة من أن تعيش "وهم الحرية" فما بين الحالين من تفاوت كما بين المشرقين والمغربين، فالشعوب التي تمارس "حرية الوهم" تمارس نوعاً من الحرية وإن كانت حرية لا تتجاوز حدود الخيال وأحلام اليقظة، إلا أنها حرة في أن تتخيل ما تشاء وأن تسرح في أحلامها كيف تشاء هرباً من جحيم الواقع الذي ترفضه غير أنها لا تستطيع تغييره فلا تجد بداً من اللجوء إلى عالم الأوهام ودنيا الأحلام لتخفف عنها بؤس الحياة وشقاءها فهي وإن فقدت نعمة الحرية والقدرة على تغيير واقعها إلا أنها لم تفقد نعمة العقل بإدراكها وإحساسها بشقائها وبؤس واقعها الذي تطمح في إصلاحه وتغييره ولو في عالم الخيال وأحلام اليقظة، أما الشعوب التي تعيش "وهم الحرية" كشعوب العالم العربي، فإنها لطول عهود الاستبداد بها لم تعد تعرف معنى قيمة الحرية ولا تحس بفقدها بل باتت تتلذذ بالعبودية وتنعم بالعسف والاضطهاد وتبرر الظلم والاستبداد بل وتظن أنها حرة في الوقت الذي ترسف فيه في أغلال الرق وقيود العبودية تساق إلى حيث أسواق النخاسة وسماسرة الرقيق في رقص وطرب دون إحساس بفقد أخص خصائص الإنسانية ألا وهي قيمة الحرية، فهي أشبه ما تكون بالإبل الهائمة والغنم السائمة ترتع في مراعيها إلى حين ذبحها أو بيعها!
إن الشعوب التي تعيش "وهم الحرية" كالمريض الذي يعيش وهم الصحة لطول مرضه وتطاول سقمه حتى طال به العهد ونسي طعم الصحة، فلم يعد يشعر بفقدها بل ربما وصل به الوهم حد النظر شزرا إلى كل من يدعوه إلى الذهاب إلى الطبيب وأخذ العلاج وكأنه يقول ساخراً: بل أنت الذي تحتاج إلى الطبيب وليس أنا! إن مثل هذه الشعوب في تأقلمها مع واقعها المظلم كمثل الخفافيش التي تعيش وادعة في ظلام كهوفها الدامس يخيفها الضوء ويزعجها النور، فالظلام بالنسبة لها كالنور بالنسبة لغيرها!
هذه حال الشعوب التي تعيش "وهم الحرية" في رضاها بهذا الواقع بل ودفاعها عنه وإضفاء الشرعية عليه ووقوفها في وجه كل من يدعوها إلى الحرية ورفض الظلم والاستبداد ويحثها على الاستقلال والتحرر من القيود والأغلال فلا ترى في دعوته إلا الشر والخطر على عبوديتها الوادعة.
يقضى على المرء في أيام فتنته
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
إن دعاة الحرية في الشعوب التي تعيش "حرية الوهم" هم في نظرها أبطالها الذين يسعون إلى تحقيق أحلامها على أرض الواقع، بينما دعاة الحرية في الشعوب التي تعيش "وهم الحرية" هم في نظر هذه الشعوب مفسدون يهددون أمن المجتمع واستقراره.
فلا يجد دعاة الحرية في وسط هذه المجتمعات التي فقدت نعمة الحرية ونعمة العقل معاً بداً من أن يشربوا كأساً من "نهر الجنون" ليعيشوا كما يعيش الآخرون وإلا صاروا خلف جدران السجون حيث لا حرية ولا هم يحزنون؟!