"حرب الشيشان وحقوق الإنسان"
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الوطن ـ مشكاة الرأي
2002
إذا كان صمت هيئة الأمم المتحدة، وإغضاؤها الطرف عن جرائم الجيش الروسي على أرض الشيشان واعتذارها عن عدم التدخل بدعوى أنها قضية داخلية، إذا كان هذا التخاذل هو دليل واقعي على موت الضمير الإنساني وعبارة عن إعلان وفاة النظام العالمي فإن تصريحات وزير خارجية إيران ـ الرئيس الحالي لمنظمة دول المؤتمر الإسلامي ـ هو دليل على موت الضمير الإسلامي!
والفرق بين موت الضمير الدولي والضمير الإسلامي هو أن الأول حدث فجأة بالسكتة القلبية بعد أسبوع واحد فقط من التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان في تيمور الشرقية ولم يلتفت المجتمع العالمي لرفض اندونيسيا ذات المئتين مليون نسمة مثل هذا التدخل العسكري في شئونها الداخلية لأن القضية في نظر هيئة الأمم المتحدة تمس (حقوق الإنسان) الذي تنص المواثيق الدولية على حمايته من كل أنواع الاضطهاد وفجأة تجمدت الأحاسيس الإنسانية والحماس الدولي لحماية (حقوق الإنسان) عندما صار الضحية هم (الشيشان)؟ وأصبح قتل المدنيين ودك المدن على رؤوس أهلها، وتهجير آلاف الأبرياء قضية داخلية وشأن خاص بروسيا ذات المائة مليون نسمة لا يحق لهيئة الأمم المتحدة التدخل فيه؟!!.
بينما مات الضمير الإسلامي انتحاراً بعد أن تجاوز وزير الخارجية إيران حالة الصمت إلى التأييد الصريح للجرائم الروسية الوحشية بل ووعد بتعاون مع روسيا لمواجهة المجموعات الإرهابية الشيشانية؟! ليضرب بهذه التصريحات غير الإنسانية بمشاعر مليار مسلم عرض الحائط دون مراعاة للشعور الإسلامي والإنساني الرافض لمثل هذه الجرائم الوحشية والساخط على هذا التخاذل بل التواطؤ الدولي ؟!
لقد تخلت منظمة دول المؤتمر الإسلامي بهذا الموقف الانتحاري رسمياً عن ثلاثمائة مليون مسلم يشكلون أقليات في دولهم ويمثلون قوة ضغط سياسية لصالح منظمة دول المؤتمر الإسلامي الذي ظلت منذ تأسيسها تعنى بشئون هذه الأقليات حتى تولت إيران مسئولية رئاسة هذه المنظمة لتتخلى عن مسئولياتها تجاه هذه الأقليات حفاظاً على مصالح إيران القومية؟!.
إن الحرب التي تشنها روسيا على الشعب الشيشاني ليست مجرد مطاردة مجموعة إرهابية وإنما هي امتداد للحملة العسكرية الفاشلة التي هزمت على أعتاب مدينة (غروزني) بعد أن اختار الشيشانيون طريق الاستقلال قبل ست سنوات حيث لا تربطهم بروسيا أي رابطة من دين أو عرق أو لغة أو تاريخ أو جغرافيا فلهم الحق كما لغيرهم أن يختاروا الانضمام للاتحاد الروسي أو الانفصال عنه كما حق ذلك لأهل تيمور الشرقية في اندونيسيا إن هذا الصمت الدولي عما يجري في الشيشان يثير الأسئلة من جديد عن طبيعة دور هيئة الأمم المتحدة وعن حقيقة هذا النظام العالمي الجديد وعن مفهوم (حقوق الإنسان)؟
وإلا فما هو التفسير المنطقي لهذا التواطؤ الدولي؟
هل ما يجري على مسرح الأحداث اليوم هو مظهر من مظاهر الصراع الحضاري الذي يؤكده (هنتجتون) في كتابه (صدام الحضارات) عندما تحدث عن طبيعة الحرب الدائرة في الشيشان؟ أم هي صورة الحرب الدينية التي تنبأ بعودتها من جديد رجل القانون الألماني د . هوفمان في كتابه (الإسلام عام 2002) عندما قال (عادت الحروب الدينية لخشبة المسرح العالمي وليست البوسنة آخر ولكنها أحدث الحروب الصليبية في الحقيقة لم ينته عصر الحروب الصليبية في أي زمان، اليوم ليس البابا من يدعو إلى حملة ضد الإسلام ولكنه قد يكون مجلس الأمن والأمم المتحدة)؟!
أم هي الأزمة النفسية التي يعيشها العالم المتحضر الذي صار يعيش هاجس الخوف والرعب الموهوم من الإسلام والمسلمين كما يؤكده أستاذ علم الاجتماع السياسي د.فرنك فريدي هذا (الخوف الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفقدان الثقة بالنفس لدى الغربيين أنفسهم)؟! مما سيؤدي (إلى مزيد من الإجراءات القهرية والقمعية للإسلام ولن يمر وقت طويل حتى يتم إجبار الحكومات الإسلامية على القيام بدور الشرطي لمطاردة الإسلاميين لحفظ السلام والأمن) كما قال فريدي ؟!
أم هي الأزمة الأخلاقية التي تتمثل في هذه البرجماتية السياسة التي تقوم على الازدواجية والتناقض في المواقف بحسب مصالح الدول الاستعمارية حيث أصبح لمصطلح (حقوق الإنسان) و(القانون الدولي) و(السلام العالمي) مفاهيم تختلف بحسب اختلاف اللون والعرق والدين والمصلحة كما أشار إليه (كرنت هيستوري) في مقاله (إعادة التفكير)؟!
ومهما تكن الإجابة فالذي لاشك فيه أن ما تقوم به القوات الروسية هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وجريمة بحق الإنسانية وما صمت المجتمع الدولي وتخاذل العالم الإسلامي إلا دليل على موت الضمير الإنسان وفقد الحس الإسلامي في ظل الهيمنة الاستعمارية الجديدة.