سوانــح الفكــــر
(إســــلام نابليــون)
بقلم د . حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 14/6/2001
لم يحتج (نابليون بونابرت) ملك فرنسا في القرن التاسع عشر ليسيطر على قلب العالم العربي والإسلامي إلا إلى الإعلان عن دخوله في الإسلام واستخدام القوة ليصبح بذلك سلطانا على المسلمين باسم (الدين)؟!!
فقد أخبره المستشرقون الذين كانوا طلائع الاستعمار بعد أن درسوا أوضاع العرب والمسلمين وثقافتهم أن المسلمين يدينون بالطاعة لكل من تغلبوا عليهم بالسيف والقوة ما داموا يتظاهرون بالإسلام ؟! وما أن دخلت جيوش نابليون قلب العالم العربي ـ القاهرة ـ حتى أشاع خبر دخوله في الإسلام ـ وبما أن الإسلام والإيمان عند المتأخرين مجرد تصديق وإقرار دون عمل والتزام بأحكام الإسلام ـ فقد صار نابليون مسلم ؟ وبما أن السلطان لا يكون عند المتأخرين سلطانا شرعيا إلا بالغلبة والقهر فقد صار نابليون حاكما للمسلمين ؟!!
وقد حدث هذا المشهد الهزلي أيضا في القرن الثامن الهجري عندما تظاهر التتار بالدخول في الإسلام فلما غزت جيوشهم الشام وحث شيخ الإسلام بن تيمية المسلمين على جهادهم فإذا بعلماء عصره وفقهائه يتصدرون له ويحرمون قتال التتار بدعوى أنهم قد صاروا مسلمين ؟!!!
وقد ذكر المؤرخ الكبير ابن كثير في تاريخه في حوادث سنة 702هـ شيئا من هذا المشهد الذي يكشف جانبا من جوانب الأزمة الفكرية التي أدت إلى انحطاط المسلمين حيث قال: (وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتار فإنهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الامام فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه)؟!
وقد اضطر شيخ الإسلام ابن تيمية للتأليف في بيان حكم هذه المسألة وأورد الحجج على وجوب جهاد هؤلاء التتر الغزاة لا ليقنع العامة من المسلمين بل ليقنع كبار علماء عصره الذين عارضوه وحملهم الورع الزائف على رفض الجهاد والاستسلام للعدو وإضفاء الشرعية على الواقع؟!!
بل واستطاع هؤلاء الفقهاء أنفسهم أن يواجهوا حركة شيخ الإسلام الإصلاحية وأن يقضوا عليها وأن يودعوا ابن تيمية نفسه السجن باسم الدين؟!
وهكذا تتكرر المأساة في كل عصر ومصر في ظل غياب الفهم الصحيح للإسلام وشيوع المفاهيم الممسوخة للدين الذي يراد له أن يضفي الشرعية على كل انحراف ورجعية حيث يتم توظيف الدين نفسه للدفاع عن الواقع وترسيخه وتبريره وإضفاء الشرعية عليه ولهذا لم يعجز الاستعمار الحديث عن توظيف الإسلام نفسه للدفاع عن الوجود الأجنبي وإضفاء الشرعية عليه كما استطاعت كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم العالم العربي من أقصى اليسار الماركسي إلى أقصى اليمين الليبرالي أن توظف كثيراً من الفقهاء في خدمة هذه الأنظمة والدفاع عنها وإضفاء الشرعية على ممارستها باسم الدين وإن كانت تهدف إلى هدم الدين نفسه؟!! إنها المسرحية ذاتها فقد عاد جميع رجالها ولم يعد بعد ابن تيمية!
للحديث بقية