الخليج العربي وغياب القرار
بقلم حاكم المطيري
المشكاة ـ صحيفة الوطن 2/3/1998
أثبتت الأحداث الأخيرة في منطقة الخليج أن في السياسة الخليجية خللا كبيرا واضحا لا يستطيع "التطبيل" أو "التضليل " الإعلامي إخفاءه إذا كشفت عن غياب القرار الخليجي الموحد حول مجريات الأحداث التي بات يتحكم بها في الخليج القرار (الأمريكي – الإيراني - العراقي) لتقف دول الخليج العربي على هامش الأحداث ليس لها من الأمر شيء وهذا ما شعر به مواطنو هذه الدول فلا يمكن القول بأن قرارا خليجيا سيكون قادرا على التأثير في أوضاع المنطقة هذه الأيام لا سلبا ولا إيجابا؟
لقد فاتت الحكمة القائلة "أن تكون قويا بلا حليف خير لك ألف مرة من أن تكون ضعيفا ولك ألف حليف " فقد يتخلي عنك "الحليف" يوما ما إذا رأى مصلحته في ذلك غير إنك لن تتخلى عن نفسك إلا إذا فقدت عقلك؛ هذه الحكمة هي التي فاتت دول الخليج في تعاملها سابقا مع النظام العراقي ودعمها له والاعتماد عليه كقوة عسكرية حليفة؛ فإذا به ينقلب عليها ولم يكن عندها آنذاك من القوة ما يرهبه قبل الاعتداء عليها، أو يردعه بعد الاعتداء، ودفعت الفاتورة غاليا سياسيا واقتصاديا ومعنويا، غير أنها لم تستفد من ذلك الدرس فها هي تكرر نفس الخطأ بالاعتماد على القوى الأجنبية الحليفة ـ وسط تطبيل وتضليل إعلامي جديد ـ والركون إليها في الدفاع عن أراضيها وشعوبها ومصالحها بعد ثمان سنين كان بإمكانها في هذه المدة إعداد العدة العسكرية لا أقول الهجومية بل الدفاعية لحماية نفسها دون الاعتماد كليا على القوى الأجنبية والقرار الأجنبي؟!
إن الادعاء بأن دول الخليج لا تتحمل نفقات وفاتورة التحركات العسكرية الأجنبية في المنطقة يفوته أن فقدان القرار الخليجي في مجريات أحداث المنطقة هو أشد خطرا من فقد وخسارة المال.
فهناك من ـ يرى والواقع شاهد ـ بأن الأزمات المتكررة هي أزمات مفتعلة لتحقيق أهداف أخرى غير معلن عنها لا مصلحة للخليجيين فيها،فلا القوى الأجنبية جادة بل ولا تحبذا إسقاط النظام العراقي،ولا هذا النظام بتارك جنونه ومغامراته وجرائمه،فإذا لم يكن هذا ولا ذلك فما هو الحل إذن ؟!
إن النتيجة الحتمية لهذه المعادلة هي استمرار الوضع في الخليج على ما هو عليه من توتر واضطراب وعدم استقرار .
لقد كانت وزيرة الخارجية الأمريكية ( البرايت ) صريحة جدا عندما ذكرت بأن صدام سوف يموت يوما ما ؟! والمعارضة العراقية ليس أهلا للحكم ؟!! ومصالح أمريكا العليا قبل كل شيء ؟!! فكشفت بوضوح عن نوايا الإدارة الأمريكية التي لا ترى للعراق من هو أفضل من صدام لحكمه فلذا سوف تدعه يدير شؤونه حتى يموت موتا طبيعيا فهذا ما تقتضيه المصلحة القومية الأمريكية وإن كان ذلك على حساب مصالح دول الخليج ومصالح الشعب العراقي؟! هناك من يرى أن الأزمة الأخيرة ليست سوى حرب شركات كبرى ضغطت على حكومتها لوقف توقيع العراق للصفقات (المليارية) طويلة المدى التي ستكون من حظ الشركات الفرنسية والروسية التي تنتظر بفارغ الصبر رفع الحظر من أجل إعادة الاعمار للعراق المدمر ؟ّ وهناك من يرى بأن السبب هو صرف النظر عن الفشل السياسي الذي تعرضت له الإدارة الأمريكية في عجزها عن تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط التي استهلكت جهد الخارجية الأمريكية طوال السنة الماضية دون تحقيق أي تقدم يذكر ؟!
وهناك من يرى أن الهدف الأساسي صرف الأنظار عن ممارسات (النتن ياهو) في أرض فلسطين بعد أن قلب الطاولة على رؤوس الجميع ؟!! وآخرون يرون أن المشاكل التي واجهت الرئاسة الأمريكية في الداخل فرضت على الإدارة صرف الأنظار للخارج؟!!!
ويذهب آخرون إلى أن الهدف هو تكريس الوجود الأجنبي في منطقة الخليج والذي لن يكون له مبرر إلا باستمرار هذه الأزمات واستمرار وجود مثل صدام حسين خاصة وأن الأتفاقات الأمنية بين دول الخليج والقوى الأجنبية أشرفت على الانتهاء فلا بد من وجود مبررات تمديدها؟!! وإلى غير ذلك من الأهداف القريبة والبعيدة وسواء كانت هذه التحليلات كلها أو بعضها صحيحة أو غير صحيحة ، فإن غير الصحيح هو بقاء الوضع واستمراره على ما هو عليه منذ سنة 1990 إلى اليوم فليس للخليجيين مصلحة في كل ما سبق ذكره،وإنما مصلحتهم هي في عودة الهدوء والاستقرار والأمن للخليج إما بإسقاط النظام العراقي والقضاء عليه أو بإعداد القوة العسكرية الدفاعية الخليجية القادرة على ردعه والتي يكون قرارها خليجيا وحسب متطلبات مصالح دول الخليج وشعوبها .
إن هناك أسئلة كثيرة تدور في ذهن الخليجي فإلى متى سيستمر الخليج على صفيح ساخن ؟! وما هي الخطط المستقبلية التي وضعتها الحكومات الخليجية للوصول بالمنطقة إلى الهدوء والاستقرار ؟ وإلى متى سيستمر الاعتماد على القوى الأجنبية في الدفاع عن النفس مع توفر العنصر البشري الخليجي والأموال اللازمة لتجهيزه ؟ ومتى تكون مصالحها العليا قبل كل شيء ؟!! ومتى يملك الخليجيون زمام المبادرة في منطقة الخليج؟!