الأحكام الجنائية الشرعية والمواثيق الدولية
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 12/12/2001
لم يكتف السياسيون الرافضون للأخذ بالأحكام الجنائية الشرعية بدعوى عدم دستورية الأخذ بأحكام الشريعة الجنائية بل تجاوزا ذلك إلى الإدعاء بأن هذه الأحكام تصطدم بمواثيق حقوق الإنسان الدولية التي تحظر التعذيب والعقوبات الوحشية؟
وبالرجوع إلى اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب عام 1984 وجدنا المادة الأولى منها تنص على معنى التعذيب المحظور دولياً وأنه (أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أو نفسياً يصدر عن موظف رسمي... ولا يشمل هذا الاصطلاح الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها)(انظر مجلة الحقوق ديسمبر 1987 ص 73) فالمحظور بموجب هذه الاتفاقية الدولية هو تعذيب المتهمين وسجناء الرأي وأسرى الحرب أما المجرمون الذي صدرت بحقهم أحكام بعقوبات قانونية فلا تشملهم هذه الاتفاقية ولا تعتبر هذه العقوبات التي صدرت بحقهم من القضاء من قبيل التعذيب المحظور دولياً ولهذا تقوم الولايات المتحدة بالإعدام عن طريق الصعق الكهربي أو بواسطة الشنق لكونها عقوبة قانونية لا تشملها الاتفاقية.
ولاشك أن للشريعة الإسلامية فضل السبق في تحريم وحظر جميع أنواع التعذيب سواء للمتهمين أو سجناء الرأي أو أسرى الحرب وكل ما يقع من تجاوزات خطيرة في سجون الدول العربية والإسلامية في هذا المجال هو مما تحرمه وتحظره الشريعة قبل المواثيق الدولية كما أكدت ذلك وثيقة ندوة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة في الكويت 1980 والتي صاغها د. عثمان عبد الملك الصالح بل إن الشريعة حرمت تعذيب أو إهانة من أجرموا وصدرت بحقهم أحكام قضائية وأمرت بالإحسان والرفق بهم حتى عند تنفيذ العقوبة وأن تقع بأسهل ما يمكن وأسرع طريقة لا يطول معها الألم وأن تراعي حال المحكوم عليه الصحية عند تنفيذ العقوبة .....الخ.
ثم على فرض وجود أحكام شرعية جنائية تصطدم بالمواثيق الدولية فإن الواجب شرعاً التحفظ على ما جاء في هذه المواثيق معارضاً للشريعة الإسلامية لا العكس ولهذا جاء في (وثيقة ندوة حقوق الإنسان في الإسلام): (توصي الندوة الحكومات الإسلامية بالعمل على إقرار مشروع المعاهدة الخاصة بمنع التعذيب وملحقها الاختياري المعروض على لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ما اتفقت مع أحكام الشريعة الإسلامية) فاشترطوا أن لا تتعارض مع الشريعة ومعلوم أن جميع دول العالم تتحفظ على البنود التي قد تصطدم بدساتيرها الوطنية بل إن أكثر دول العالم تحفظاً هي الولايات المتحدة (فمن بين المجموعة الدولية لحقوق الإنسان التي تضم سبعة وأربعين اتفاقية دولية عالمية لم تصدق الولايات المتحدة إلا على خمس فقط) كما أكد ذلك د/ عبد العزيز سرحان ـ أستاذ القانون الدولي في بحثه المنشور في مجلة الحقوق ديسمبر 1981 فالولايات المتحدة ونظامها القضائي يقدمان مبادئ الدستور على أي اتفاقية دولية تتعارض مع الدستور الأمريكي ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في بعض أحكام اتفاقية منع التمييز العنصري التي تحرم الترويج للأفكار العنصرية مع أن هذا يتعارض مع حرية التعبير عن الرأي التي نص عليها الدستور الأمريكي ولهذا صارت الولايات المتحدة تلجأ إلى التحفظ على البنود الواردة في مواثيق حقوق الإنسان التي تصطدم مع الدستور مع توقيعها على هذه المواثيق إجمالاً (انظر مجلة الحقوق عدد 3سنة 1981 ص 110، 114) ثم على فرض وجود تعارض بين أحكام الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية أو إعلان حقوق الإنسان فإن المشكلة حينئذ ستكون في ميثاق ومبادئ حقوق الإنسان ذاته حيث ينص على حماية واحترام الحريات الدينية وفي الوقت ذاته قد يدعو إلى رفض أحكام هذا الدين أو ذاك بدعوى حماية حقوق الإنسان؟! فالتناقض في هذه الحال ليس بين الشريعة الإسلامية وميثاق حقوق الإنسان بل التناقض واقع بين بنود الميثاق نفسه ولا ريب أن في إلزام المسلمين وإكراههم على تعطيل أحكام دينهم ما يصطدم بمبدأ الحرية الدينية التي نصت المواثيق الدولية على حمايته؟!
والمقصود هو بيان مدى الزيف الذي يمارسه السياسيون الرافضون لمشروع القوانين الجنائية الإسلامية احتجاجا بمواثيق حقوق الإنسان وبأنه لا يمكن لذلك إقرار مثل هذا المشروع ولا أدل على بطلان هذا الإدعاء من تضمن أكثر قوانين دول الخليج العربي الجنائية للأحكام الشرعية كما في (قانون العقوبات الاتحادي) لدولة الإمارات العربية لسنة 1987 الذي نص في المادة الأولى منه على أنه (تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية) وجاء في المادة (66) من هذا القانون (العقوبات الأصلية) هي:
أ: عقوبات الحدود والقصاص والدية.
ب: عقوبات تعزيزية ـ دون أن تتعرض عند صدوره لضغوط دولية.
وللحديث بقية