أزمة هوية أم أزمة فكرية؟
بقلم : د.حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام
4/5/2003
بدا واضحا جليا أن الوسط السياسي والثقافي الكويتي بشقيه الإسلامي والعلماني يعيش عزلة خانقة عن وسطه الخليجي والعربي والإسلامي كأثر من آثار أزمة الهوية التي يعيشها المجتمع الكويتي عموما منذ وقوع الحرب على العراق([1]) بسبب الخلاف في الموقف من الحرب والسؤال الذي يطرح هنا هو: لم كل هذا الحرص منا على إقناع الشارع العربي والإسلامي بصحة موقفنا من الحرب التي حدثت وانتهت؟ ومن يخاطب الكتاب عندنا في هذا السيل من المقالات التي تؤكد أننا على حق وأن الآخرين على باطل في موضوع الحرب فالشارع الكويتي ليس في حاجة لهذا الخطاب والشارع العربي والإسلامي لا يقرأ تلك المقالات ولو قرأها فلن يغير رأيه بعد قراءتها فلمن تكتب هذه المقالات ولم؟ ولم لا يفهمنا الآخرون دائما مع وضوح موقفنا؟ ولم نشعر دائما بأننا مظلومون وهذه المرة ليس فقط من جهة العرب بل والخلجيين أيضا؟ أين الخلل وما هو الحل؟
بالطبع لهذه المقالات والكتابات دلالة واضحة على العزلة التي نعيشها إلا أنها أكثر دلالة على أمر آخر أشد وهو الشعور الداخلي بعقدة الذنب الذي قد يدفع صاحبه إلى الإكثار من الاعتذار أو الإكثار من التبرير، وليست المشكلة هنا هي أن لا يفهمنا العرب والمسلمون في موقفنا من الحرب على العراق وإنما الكارثة هي أن لا يفهمنا العراقيون حيث وقفنا مع الحرب بدعوى تحريرهم لنكتشف أنهم يهاجموننا بدعوى أننا ساهمنا في احتلالهم! لينبري بعدها كتابنا وسياسيونا لا للرد على العرب بل للرد على أصحاب الشأن أنفسهم لنصبح عراقيين أكثر من الشعب العراقي نفسه؟ هذا مع إعلان الحكومة بأن الكويت ليست طرفا في الحرب على العراق وهو ما يجعل الكتاب عندنا في موقف حرج لا يحسدون عليه حين يدافعون عن وجهة نظرهم فهم لا يدافعون عن قضية وطنية لأن الكويت باعتراف الحكومة ليست طرفا في الموضوع كما إنهم لا يدافعون عن قضية قومية لأن العالم العربي كله رفض الحرب وكذلك لا يدافعون عن قضية إسلامية شرعية لأن العالم الإسلامي بمنظماته الدولية وهيئاته العلمية الشرعية يكاد يجمع على رفض الحرب وكذلك لا يدافعون عن قضية إنسانية لأن الشعب العراقي مع كونه ضد نظامه إلا انه رفض الحرب لأنها ليست هي الحل لتغيير النظام، ووقوف بعض فصائل المعارضة مع الحرب لا يعني بالضرورة أنها تمثل كل المعارضة فضلا عن تمثيل الشعب العراقي كله الذي أثبتت الوقائع انه ينظر للوجود الأجنبي على أرضه أنه احتلال لا تحرير؟! أليس غريبا إلى حد التناقض أن يقف الإخوان المسلمون في الكويت مع الحرب على العراق بدعوى رفع الظلم عنهم وتحريرهم بينما يقف إخوان العراق في المنفى ضد الحرب لأنها في نظرهم تهدف إلى احتلالهم وتدمير بلادهم ونهب ثرواتهم؟ أليس تناقضا فاضحا أن تصدر الفتاوى عندنا في مشروعية هذه الحرب لرفع الظلم عن أهل العراق بينما يصدر علماء العراق أنفسهم في الداخل والخارج من السنة والشيعة على حد سواء فتاوى تحرم هذه الحرب بدعوى أنها حرب استعمارية عدوانية على العراق؟ وإذا كنا أكثر دراية بالعراق ونظامه من العرب الآخرين المغررين فهل نحن أكثر دراية به من العراقيين؟ أليس عجبا أن يحرم التراثيون السلفيون عندنا على الشعوب العربية الثورة على الأنظمة الطاغوتية الاستبدادية بدعوى الخشية من الفتن وسفك دماء الأبرياء وبدعوى أن أصول أهل السنة تحرم الخروج على السلطة ثم فجأة يجيزون الاستعانة بغير المسلمين لشن حرب مدمرة لتغيير النظام في العراق دون التزام برأي هيئة كبار العلماء في المملكة الرافض للحرب مع العلم أن ثورة الشعب الإيراني على الشاه وثورة الشعب السوداني على النميري لم يترتب عليها من المفاسد عشر ما ترتب من المفاسد في حرب العراق؟ ومع العلم أيضا أن هناك نصوصا شرعية وآراء فقهية قديمة ترى جواز الخروج على مثل تلك الأنظمة الاستبدادية بينما لا يوجد نص شرعي ولا رأي فقهي عند أهل السنة يسوغ الاستعانة بغير المسلمين في حرب لتغيير السلطة؟! إن الموضوع أكثر تعقيدا وإشكالية وسيكون له تداعياته على كثير من المسلمات العقائدية والفكرية التي كان أصحابها ينظرون إليها على أنها قضايا بدهية وللحديث بقية.
[1]- وقعت حرب احتلال العراق في مارس / 2003.