الخليج المخطوف
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
الرأي العام 5/9/ 2002
أثبتت الأيام وأكدت الأحداث بعد عشر سنوات من المكابرة وتضليل الرأي العام صحة ما تنبأ به الخبير السياسي د. عبد الله النفيسي من أن الخليج أصبح كالطائرة المخطوفة لا يدري أحد – بما في ذلك حكومات المنطقة – متى وأين ستهبط، فما زال الخليج العربي مخطوفاً منذ سنة 1990 في أطول عملية اختطاف عرفها التاريخ وأغرب عرض على قاعة المسرح السياسي دون أن يكون لدول المنطقة بحكوماتها وشعوبها أثر لا نفعاً ولا دفعاً ولا سلباً ولا إيجاباً في مجريات الأحداث بعد أن أصبحوا رهائن على مقاعد هذه الطائرة المخطوفة؟!
وبهذا يثبت صحة ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون في (مذكراته) من أن هذه المنطقة تمثل منطقة فراغ سياسي وعسكري يجب أن تملأ من قبل التحالف الإسرائيلي – الأمريكي كما ثبت صحة الوثائق الإسرائيلية التي نشرها الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في (الأساطير الإسرائيلية) حول الأهداف الصهيونية في الخليج وتخطيطها للسيطرة على المنطقة وسعيها لتقسيم العراق وتحطيمه كقوة إقليمية تمثل خطراً مستقبلياً على أمن إسرائيل؟!
إن مهمة حماية أمن دول الخليج وشعوبه هي مسئولية حكومات المنطقة فهي المسئولة أمام الله وأمام شعوبها وأمام التاريخ عن هذه المهمة وليست القوى الدولية الاستعمارية. إن الوجود العسكري الأجنبي خصوصاً القواعد العسكرية ما هو إلا استعمار جديد بوجه قديم تحت ذريعة جديدة لن يكون إلا على حساب سيادة دول المنطقة واستقلالها كما قال المؤرخ والسياسي الأمريكي هاملتون في عهد واشنطن (إنه من الحماقة أن تطلب أمة من أخرى معروفاً لا يتفق مع مصالحها ولا يتم هذا إلا بالتنازل عن جزء من استقلالها وليس هناك خطأ أعظم من أن تتوقع أمة أو تعمل حسابها على مساعدة من دولة أخرى، دون فقد لجزء من استقلالها، إن ذلك محض وهم تبدده التجربة ويرفضه الكبرياء) انتهى.
وإن شعوباً يبلغ تعداد سكانها أكثر من عشرين مليون نسمة لا تستطيع حماية حدودها ومصالحها وأمنها والذود عن أوطانها وأطفالها ونسائها بنفسها لهي شعوب لا تستحق العيش بحرية ولا الحياة الكريمة في عالم لا يسود فيه إلا الأقوياء ولا تحركه سوى المصالح ولا يعرف إلا لغة (الكاوبوي)!
لقد أصابت حكومات المنطقة بتحفظها على الضربة التي يراد توجيهها للعراق بدعوى إسقاط النظام هناك إذ لم يراع فيها المصالح القومية لدول المنطقة وشعوبها بقدر ما روعي فيها مصالح العدو الصهيوني ومخططاته والقوى الاستعمارية ومصالحها.
إن من مصلحتنا جميعاً نحن والشعب العراقي سقوط النظام هناك بثورة شعبية داخلية مع دعم وتأييد خارجي أما التدخل العسكري الأجنبي فيعني سقوط المنطقة كلها تحت الهيمنة الدولية بتحطيم العراق كقوة إقليمية ضرورية للمحافظة على توازن القوى في المنطقة.
إن على حكومات الخليج أن تدرك خطورة الوضع الإقليمي وأن تجعل مصالح شعوبها هو المعيار الذي تزن به مواقفها وأن تعلم بأن الأمن القومي العربي والإسلامي كل لا يتجزأ. لقد كشفت الأحداث عن مدى حجم الفراغ السياسي والعسكري في منطقة الخليج وعجز حكوماته عن سده أو مواجهة الأحداث وعدم وجود رؤية استراتيجية أمنية واضحة للخروج بالمنطقة وشعوبها من هذه الدوامة التي حولت الخليج إلى طائرة مخطوفة.
لقد بدأت الشعوب تستشعر ضعف حكوماتها بتزايد الخطر من حولها دون أن تملك القدرة على التأثير على مجرياتها، وبدأت الأصوات تجهر بضرورة إحداث تغيير سياسي جذري تكون الشعوب فيه هي صاحبة الكلمة في تقرير شؤونها وعلى حكومات المنطقة أن تدرك مشروعية هذا التوجه بعد أن فرطت سنوات طويلة في الإعداد لحماية الأمن القومي لشعوب منطقة الخليج حتى صارت المنطقة محاطة بالقواعد العسكرية الأجنبية من كل مكان ليعود الاستعمار من جديد بعد أربعين سنة من الاستقلال والتحرر دون مراعاة خصوصية المنطقة اجتماعياً وعقائدياً وحضارياً؟!!
إن ظاهرة دويلات الطوائف في الخليج يجب أن تعالج إذ هي السبب الرئيسي لهذا الضعف وأن الحل الوحيد هو بالوحدة الخليجية وأن يواكب ذلك تحول حقيقي نحو الحرية السياسية وإشراك الشعوب في اتخاذ القرار على نحو الوحدة الأوروبية وبرلمانها فالخليج اليوم أحوج ما يكون إلى التلاحم والوحدة بين الحكومات وشعوبها وبين الحكومات فيما بينها ليواجه الجميع صفاً واحداً هذه التحديات الخطرة ولتحرير هذه الطائرة المخطوفة بأقل الخسائر الممكنة.
فالمنطقة ليست منطقة فراغ سياسي بل هي قلب العالم الإسلامي ومهبط الرسالة المحمدية العالمية ومصدر الطاقة النفطية، إنها منطقة تحد حضاري كانت ومازالت مصدر إشعاع وإلهام ومكمن قوة بشرية تملك القدرة على القيام بدورها من جديد إذا كانت الحكومات عاجزة عن القيام بمسئولياتها وأن يكون للشعوب كلمة مع حكوماتها خير من أن يفقد الجميع الكلمة ليصبح الحل والعقد بأيدي القوى الاستعمارية وسفاراتها في المنطقة.
كما في إشراك الشعوب في اتخاذ القرار قطع للطريق على محاولات القوى الخارجية التدخل في شؤون المنطقة بدعوى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وهي كلمة حق تريد بها القوى الدولية باطلا!