رأي المشكاة
وللحرية كلمــــة
بقلم : حاكم المطيري
مشكاة الرأي ـ الوطن
15/12/1997
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كلمته المأثورة عنه لما أن بلغه ظلم بعض أبناء الولاة لبعض الرعية من النصارى (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )) وقد كان العرب خاصة يعظمون شأن الحرية ، ويأنفون من الذل والضيم ، ويأبون القهر والظلم ويفخرون بذلك في أشعارهم ، كما قال عمرو بن كلثوم في معلقته يخاطب الملك عمرو بن المنذر ، ويتوعده :
أبا هند فلا تعجل علينا وانظرنا نخبرك اليقينا
وهذا شائع في أشعار أهل الجاهلية ، معلوم من أحوالهم وآدابهم وأخبارهم ، وكذا ازداد تعظيمهم للحرية ورفضهم للظلم بعد أن دخلوا الإسلام ، الذي ساوى بينهم جميعا في الحقوق والواجبات، وكان ذلك من أهم أسباب ودواعي دخولهم في الإسلام، ولقد وقف سعد بن ناشب المازني في وجه أمير البصرة بلال بن أبي بردة لما تهدد بني مازن ، وانشده قائلا :
فلا توعدنا يا بلال فإننا وإن نحن لم نشفق عصى الدين أحرار
فما كان من بلال الموصف بالظلم والبطش إلا ان قال معتذرا :
( يا سعد ليس كل ما يقوله السلطان يفعله )
وقال الشاعر المزني مفتخرا بالحرية :
اما الملوك فاننا لا نلين لهم حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
ولهذا لم يعرف التاريخ أمة كثر فيها حركة الخروج والعصيان على الملوك كما حصل في التاريخ العربي الإسلامي !
فالقيم العربية التي قد تميز بها العرب في جاهليتهم عن سائر الأمم حتى إنهم لا ينقادون للملوك ويموت الرجل والقبيلة من أجل كلمة ! والقيم الإسلامية هي التي هذبتهم وزرعت فيهم أيضا هذا المعنى حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من قاتل دون ماله فهو شهيد )) كل هذه جعلت من الحرية عندهم قيمة تستحق الموت وبذل الروح هذا يوم أن كانت الشعوب الأوربية ترسف في أغلال العبودية ، حتى بلغ الحال بها أن كان الإقطاعيون يملكون الأرض ومن عليها من بشر؟! وحتى اعتبروا الانقلاب على هذه الأوضاع هي بداية نهضتهم وتطورهم وتحقق حرياتهم ؟!
غير إنهم بعد ذلك اختلفوا في معنى وتحديد مفهوم الحرية ، فبينما يرى بعضهم الحرية السياسية وإبداء الرأي هي الأصل الذي به تتحقق الحرية وبزواله تزول ، يذهب البعض إلى أن الحرية الاقتصادية هي الأصل وباقي الحريات تبع لها ، ويرى آخرون أن الحرية الفردية والشخصية هي الأساس؟!!
ولم ينته الخلاف عند هذه ، بل ما زال الجدل يدور حول حدود هذه الحريات ، وإلى أي مدى يفسح لها المجال ؟! فقد تؤدي حرية البحث العلمي إلى ما فيه انتهاك أو تدمير للإنسانية ؟! كما قد تفضي الحرية السياسية إلى الفوضى وقيام الحروب الأهلية ! وقد تفضي الحرية الشخصية إلى إيذاء مشاعر الآخرين ؟! والحرية الاقتصادية قد تؤدي إلى تلاعب الرأسماليين بمصائر البؤساء والمساكين! كل ذلك باسم الحرية وتحت شعار الليبرالية!