انكشف الغطاء
فلتقرع الأجراس
بقلم: حاكم المطيري
المشكاة ـ الوطن
22 /9 /1997م
عندما كتبت رأي
المشكاة في العدد الماضي (الحرب الإعلامية والدروشة السياسية) الذي حذرت فيه من الانسياق
وراء التضليل الإعلامي للأنظمة العسكري والديكتاتورية في عالمنا العربي، التي تحاول
قمع معارضيها بشتى الوسائل خاصة الإعلامية، ليتحول الضحية مجرما إرهابيا والجلاد حرا
ديمقراطيا، لم أكن على علم بالمحاورة التي أجرتها صحيفة الوطن في نفس العدد (15
/9) مع رئيس الوزراء الجزائري السابق عبد الحميد الإبراهيمي، التي فاجأ بها الجميع،
وكشف عن حقيقة ما يجري في الجزائر، وأن الصراع ليس بين الإسلاميين وغيرهم، وإنما هو
بين الحضارة الإسلامية التي ينتمي لها الشعب
الجزائري وبين التيار الفرانكفوني الذي هو إيديولوجية تغريبية استعمارية وأن هذا التيار
مدعوم من (بعض الأجهزة الفرنسية ورئيس الجمهورية السابق فرانسوا ميتران الذين شجعوا
انقلاب 92 ودعموا النظام العسكري في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية الجزائرية
ستة أو سبعة جنرالات كانوا موجودين في الجيش خلال فترة الاستعمار وهؤلاء الجنرالات
وأركان الحرب مرتبطون بفرنسا سياسيا وعسكريا) وأن هؤلاء (عملاء لفرنسا) يريدون استئصال
الإسلاميين من الجزائر وعلى رأسهم الجنرال (محمد العماري قائد أركان الحرب الذي قال
يوما بأنه مستعد لقتل خمسة ملايين جزائري لتخليص الجزائر من الإسلاميين) وأن هناك
(عشرات الآلاف من جبهة الإنقاذ لا يزالون معتقلين في السجون) وأن جبهة الإنقاذ ليست
بحزب وإنما هي (ظاهرة سياسية واجتماعية ومعظم الجزائريين ناقمون على النظام فاقدو الثقة
فيه لذلك يدعمون جبهة الإنقاذ وفيهم الإسلاميون وغير الإسلاميين وأن جبهة الإنقاذ تمثل
جميع الشرائح ففيها المثقفون والأكاديميون والمحامون والموظفون والعمال في المدن والقرى)
و(إنهم بريئون من كل ما يحدث) وأنه قد تم إحالة (خمسة آلاف ضابط للتقاعد ممن لا يتجاوز
عمرهم 35 سنة لأنهم يصلون أو لأنهم كانوا فرحين بفوز جبهة الإنقاذ) !! وهذا الذي يفسر
استبعاد الجنرالات للجيش والاعتماد على قوات خاصة فرانكفونية؟!
ولعل أخطر تصريحات
الإبراهيمي على الإطلاق اشتراطه لعودة الاستقرار في البند الخامس (تجريد الأسلحة من
كل الميليشيات التي سلحتها السلطة وعددهم حوالي 200 ألف يقومون بالتقتيل الجماعي للشيوخ
والأبرياء والأطفال وينسبونها إلى الإسلاميين) ؟!!
إن هذه الاعترافات
من رئيس وزراء جزائري سابق وأحد كبار زعماء جبهة التحرير الوطني، التي يؤكدها اعترافات
كثير من قادة الشعب الجزائري كالرئيس السابق أحمد بن بيلا وغيره، دليل على مدى التضليل
الإعلامي الذي تمارسه وسائل الإعلام الفرنسي داخل وخارج الجزائر، التي فرض الجنرالات
عليها حصار إعلاميا فلا يعلم أحد ما يجري في الداخل إلا عن طريق صحيفة ( ليبرتيه) و(لوموتان)
و(الاتريبيون) التي جعلت مهمتها دعم التيار الفرانكفوني الاستئصالي، وحرب الإسلام وربطه
بالإرهاب، والتي تجد صدى إشاعاتها في الإعلام الغربي ثم العربي؟!
وفي الوقت الذي
يتباكى وينعي بعض كتابنا ومثقفينا على المثقفين العرب انسياقهم وراء التضليل الإعلامي
العراقي، نجدهم في الوقت ذاته ينساقون وراء التضليل الإعلامي للنظام العسكري في الجزائر،
ويحملون مسؤولية ما يجرى هناك على (التطرف) و (الإرهاب) ليشاركوا مرة أخرى في تضليل
الرأي العام، وليبرروا للأنظمة الدكتاتورية وأدها للحرية والديمقراطية، وليتجاوزا
-كما هي العادة- أسباب المشكلة، فيشغلونا بتحليل وتعليل النتائج وكأننا لا نستفيد من
تجارب الماضي؟!!
وفي الوقت الذي
يستأصل الجنرالات في الجزائر آلاف الشباب المسلم هناك، ويطلقون الميليشيات ليقتل الأبرياء
خاصة في ضواحي العاصمة حيث فازت جبهة الإنقاذ بنسبة 100/100 في انتخابات 92 وحيث تقع
المجازر بقرب ثكنات الجيش لإرهاب الشعب وإخضاعه للفرانكفونية، يخرج علينا دراويش الإسلاميين
ليحدثونا عن خطورة فكر الخوارج هناك، وليروجوا ما تبثه وسائل الإعلام الفرنسي الذي
يقول الإبراهيمي عن أهدافها: (فرنسا تحاول استكمال ما فعلته بنا فترة الاستعمار ولكن
هذه المرة بأيد جزائرية تحدث العنف كي تمحو من الذاكرة ما فعلته هي بنا أيام الاستعمار
وحتى تبرر الصحافة الفرنسية بأن الجزائريين
أصحاب عنف) ولم يعلم الإبراهيمي أن الدراويش عندنا في الشرق من الإسلاميين والعلمانيين
الذين أمطرونا بسيل من المقالات حول المشكلة الجزائرية طول مدة خمس سنوات قد كفوا فرنسا
مؤونة ترويج هذه الإشاعات ليكتشفوا الآن أنهم كانوا ضحية التضليل الإعلامي تماما كما
حصل مع النظام العراقي؟!!
الجزائر تعيش منذ
الاستقلال صراعا حضاريا بين الهوية الإسلامية والهوية الفرانكفونية التي رسخت طول مدة
قرن من الاستعمار الفرنسي، غير أن هذا الصراع قد صار مسلحا بعد إلغاء الانتخابات وإزاحة
الرئيس بن جديد وقتل الرئيس أبو ضياف، والزج بآلاف ممثلي جبهة الإنقاذ بالسجون، وقتلهم،
وتشريدهم، بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية، وبعد سعي الجنرالات لاستئصال الإسلاميين،
هذه هي أسباب المشكلة الحقيقية، فلم تكن الجزائر تعيش قبل ذلك مشكلة الإرهاب والتطرف،
والقفز فوق هذه الحقائق ليس سوى تضليل إعلامي أو دروشة سياسية.
لقد كشف الإبراهيمي
-رئيس الوزراء السابق- حقيقة ما يجري هناك، وسط صمت عربي، ونوم عميق لأمين الجامعة
العربية وتخاذل إسلامي وعربدة فرنسية، فلمن تقرع الأجراس؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع ذات صلة:
الانتخابات الجزائرية والأزمة الأخلاقية
الثورات العربية الموؤدة منذ الحرب العالمية الأولى وكيف واجهها الغرب
الثورات العربية والمؤامرات الدولية
الانقلاب في مصر والموقف الخليجي (مرئي)
مكتبة أ.د. حاكم المطيري