كولن باول وتجارة الأوهام
د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 29/12/2002
يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية تجيد فن التجارة في كل شيء بما في ذلك تجارة بيع الأوهام وتسويق الأحلام تماماً كما تتاجر بشعارات احترام حقوق الإنسان الموءودة في معتقل (غوانتانامو)؟!
لقد اكتشف وزير الخارجية الأميركي (كولن باول) فجأة أن المنطقة العربية في حاجة إلى الحرية وحماية حقوق الإنسان ولهذا جاءت الأساطيل الحربية بالأسلحة النووية لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية من أجل تحرير الشعوب العربية !
ولن نذكر الوزير الأميركي بما يقوم به الجيش الإسرائيلي الحليف الاستراتيجي المدعوم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً من قبل الولايات المتحدة من جرائم إنسانية وانتهاكات خطيرة بحق الشعب الفلسطيني منذ خمسين سنة وإلى يومناً هذا دون تدخل دولي أو غربي أو أميركي لوقف هذه الجرائم أو لتنفيذ القرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية!! بل ولم تكتف الولايات المتحدة التي ترفع شعار الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بهذا الموقف بل صرح وزير دفاعها الحالي بأن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي حق مشروع للدفاع عن النفس لأن الأراضي التي احتلتها إسرائيل سنة 1967 إنما استولت عليها بالحرب؟!
كما لن نذكر (كولن باول) بالدمار والخراب الذي حل بأفغانستان بعد التدخل الأميركي الذي باع للشعب الأفغاني وهم الحرية والازدهار ليقبض بدلاً منه التمزق والدمار وفقد الأمن والاستقرار وقتل وتشريد آلاف الضحايا الأبرياء!
وإنما سنذكر الوزير الأميركي بأن الجيوش الفرنسية التي استعمرت الجزائر مئة وثلاثين سنة كانت ترفع شعار تحرير الشعب الجزائري من حكم (الداي حسين) وتعهد حينها الفرنسيون باحترام دين الشعب الجزائري وأنهم سوف يصبحون سادة أحرارا في بلادهم، كما كتب الكوت (دي مونتوزي) إلى نابليون بونابرت سنة 1803 يحثه على ضرورة التدخل في الجزائر من أجل القضاء على الظلم والإرهاب وتطوير الحضارة والإنتاج وحماية الممرات البحرية؟!
لقد رفع الفرنسيون بعد الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان سنة 1789م الشعارات نفسها التي يرفعها الأميركيون الآن لتكون النتيجة حدوث أبشع أنواع الاستعمار التي شهدها العالم فلم يحصل الشعب الجزائري على حريته واستقلاله حتى قدم مليون شهيد ثمن تصديقه أوهام الوعود الفرنسية بتحريره من الظلم والاستبداد!
نعم إن الشعوب العربية ترفض استمرار وجود الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية وتتطلع إلى العيش بأمن وحرية إلا أنها أيضاً أشد رفضاً للوجود الاستعماري الذي سيكون على حساب استقلال أوطانها وسيادة بلدانها وإن الشعوب العربية تفضل ألف مرة أن تعيش تحت ظل أنظمة استبدادية ولو على حساب حقوقها الإنسانية على أن تعيش في أجواء الحرية تحت هيمنة الجيوش الاستعمارية فإذا ما كان الخيار هو بين (الاستبداد) الذي يصادر حريات الأفراد وحقوقهم (والاستعمار) الذي يصادر استقلال الأوطان وسيادتها، فلن ترضى بالخيار الثاني مهما كان الثمن باهظاً وكما لا يتصور وجود ديمقراطية تحت ظل أنظمة استبدادية عسكرية أو ملكية أو جمهورية كما هي حال العالم العربي اليوم فلا يتصور قيام ديمقراطية وحكم شعبي تحت ظل هيمنة الجيوش الاستعمارية والتدخل الأجنبي.
إن القواعد العسكرية الأميركية التي باتت تحيط بالخليج والجزيرة العربية والأساطيل البحرية التي تحمل الرؤوس النووية والتدخل في شؤون دول المنطقة السياسية والثقافية والتعليمية لن تجلب للمنطقة الحرية والسلام والاستقرار بل كل ذلك مظهر خطير من مظاهر الاستعمار مهما حاول وزير الخارجية الأميركي (كولن باول) أن يبيع للعرب الأوهام والأحلام كما باعها من قبل للبؤساء الأفغان!