فيلسوف وسجان
بقلم: حاكم المطيري
صحيفة الوطن ـ مشكاة الرأي
9/2/1998
حادثتان خطيرتان في عالم الفكر والسياسة، وقعتا في آن واحد، الأولى غرباً والثانية شرقاً، كشفتا القناع عن هذا الزيف الإعلامي العالمي الذي يقف الغرب وراءه بأفكاره العلمية وممارساته العملية!
هاتان الحادثتان متشابهتان في الأسباب والموضوع والنتائج وسيكون لهما أثر كبير فكرياً وسياسياً وسيكون لهما ما بعدهما في عالم المستقبل.
ففي الوقت الذي تحل المحكمة – شرقاً – حزب (الرفاه) وتمنع زعيمه البروفسور (نجم الدين أربكان) رئيس الوزراء السابق من نشاطه السياسي تحت شعار العلمانية؟! تحكم المحكمة – غرباً – على آخر فلاسفة أوروبا (روجيه جارودي) بالسجن تحت شعار اللاسامية؟!
وبين الحادثتين ترابط وثيق جد وثيق كما لهما دلالة لا تخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فجارودي (الفيلسوف) وأربكان البروفسور شيخان كبيران وسياسيان مفكران، ومسلمان سلميان يرفضان العنف والإرهاب، ويدعوان إلى السلم والحوار، فما لهما وللسجان والقضبان؟!
قد يكون ما جرى (لنجم الدين أربكان) متوقعاً في بلد يعيش العلمانية المتطرفة وتحكمه العقلية الاستئصالية منذ سبعين سنة، هذه العلمانية التي تقوم على نظرية (الوصاية) على الآخرين، وتوجب على الجميع أن يكونوا علمانيين رغماً عن أنوفهم مهما كانت الأكثرية رافضة لهذه (الوصاية) كارهة لهذه (الدعاية)؟!!
إن العلمانية لا تؤمن إلا لمن آمن بها، وترفض بل وتقضي على كل من يرفضها، بلا مراعاة منها لحقوق الإنسان وحريته، أو احترام لحقوق الشعوب وإرادتها، إنها دولة (ثيوقراطية) تحت شعار اللادينية؟!!
أقول: إذا كان ما جرى – شرقاً – متوقعاً منذ أمد فإن ما لم يتوقعه أحد – خاصة البركليسيون العرب- أن تحاكم باريس عاصمة النور، وبلد الحرية وحقوق الإنسان ـ والعالم على مشارف القرن الواحد والعشرين ـ آخر فلاسفتها (روجيه جارودي) لمجرد أنه يرى في كتابه (الأساطير للسياسية الإسرائيلية) أن المذابح التي تعرض لها اليهود في ألمانيا ليست بهذا الحجم المزعوم إذ لا دليل يثبت هذه المزاعم؟!
إن محاكمة (جارودي) وحدها كافية في نسف حقوق الإنسان وحريته فكيف بالحكم عليه وبالسجن أيضاً؟!
لقد كشفت هذه الحادثة عن حقيقة الحرية والإعلام وقوى النفوذ في فرنسا بل وأوروبا كلها على لسان آخر فلاسفتها الأحياء حيث يقول (إنني أواجه بمفردي آله إعلامية صهيونية في فرنسا وأوروبا فكل معابر الإعلام أمامي مغلقة (رسمياً) ورفض كل الناشرين الفرنسيين نشر كتابي الأخير)؟!
هذا مع أن مؤيدي (جارودي) كثيرون فقد انهالت عليه آلاف البرقيات والرسائل قبل سنة عندما وقف معه الأب (بيار) إلا أنه لم يجرؤ أحد منهم – كما يقول جارودي- على الإعلان في وسائل الإعلام عن تأييدهم له حتى (الأب بيار) صديقه الحميم اعتذر عن خوضه في الدفاع عن موقف (جارودي)!
أما لماذا جرى ما جرى في الشرق ولماذا حدث ما حدث في الغرب، فهذا ما لا يحتاج إلى عبقرية مؤيدي (نظرية المؤامرة) لكشف الأسباب ومعرفة الأهداف، فإن للصهيونية العالمية يداً ظاهرة في صناعة كلا الحدثين، أما في فرنسا فبلا شك، وأما في تركيا ففي الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع إسرائيل سر دفين بدأ بإسقاط (عبد الحميد الثاني) وانتهى بإسقاط (نجم الدين أربكان)؟!
وأما في فرنسا فبلا شك وباعتراف الضحية والهدف من ذلك كله كما يقول (جارودي): هو الأمة الإسلامية، فأنا مجرد رجل اعترض طريقهم الذي رسمه لهم هتنتجتون وهو (العولمة) حيث تتوحد الحضارة المسيحية اليهودية ضد الإسلام وهذا هو جوهر السياسة الأمريكية اليوم وهذا هو دور إسرائيل المخطط له في هذه المرحلة حيث قال هرتزل مؤسس الصهيونية قبل مائة عام : (إننا قلعة متقدمة لإقامة المسيحية اليهودية) بما يثبت بلا شك أن هناك تلاحماً بين المشروع الصهيوني (لهرتزل) والمشروع الأمريكي (لإسرائيل حالياً) هذا هو الهدف باختصار وعلى ضوئه يمكن تفسير كثير من الأحداث التي جرت والتي تجري في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط حيث الابن المدلل لأمريكا (إسرائيل) تشرد شعباً كاملاً وتسيطر على أراضي الدول بالقوة وتمتلك المفاعلات النووية والأسلحة الجرثومية وتقابل مع ذلك كله من قبل أمريكا بالمعونات المالية والدعم السياسي والحماية العسكرية؟! لقد سقط كثير من الملوك والرؤساء والسياسيين والمفكرين والعلماء الذين اصطدموا بالمخططات الصهيونية في الشرق والغرب فهل يعيش (روجيه جارودي) حتى يصدر كتابه الموعود الذي قال عنه بأنه (سيفجر حقائق كبرى في وجه الصهيونية) أم يذهب ضحية المكر اليهودي كما ذهب الآخرون؟!!.