الخليجيون .. وإعصار تسونامي
01 -3 -2008
د. حاكم المطيري / عضو المكتب السياسي لحزب الأمة في الكويت
تشهد دول الخليج العربي منذ فترة طويلة حالة من الاحتقان السياسي لم يسبق لها مثيل في تاريخها الحديث وهي بلاشك إرهاصات التحولات الاجتماعية الكبرى التي حدثت خلال العقود الخمس الأخيرة وسيواكبها حتما تحولا ت سياسية جذرية لن تستطيع النظم الحالية الهشة الصمود أمامها طويلا ما لم تبادر الحكومات إلى الان فتاح وقيادة حركة الإصلاح وإشراك الشعوب بحقها المسلوب في إدارة شئون بلدانها قبل فوات الأوان!
إن ما تشهده الدول الخليجية من اتساع حركة الاحتجاج السياسي فيها بكل أشكاله ومن كل تياراته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن السلمي إلى الثوري كل ذلك نذر إعصار جارف بدأت تلوح طلائعه بالأفق في مجتمعات كانت إلى وقت قريب مسالمة بطبعها ترفض العنف والعنف المضاد مع احتفاظها بمخزون من التاريخ والمشاعر والقيم التي يسهل استثارتها لتغير مجرى التاريخ من جديد!
لا تكن محتقرا شأن امرئ *** ربما كان من الشأن شئون
إن من العبث تجاهل هذا الاحتقان السياسي أو تجاهل أسباب حدوثه، فليس مصادفة أن يتم في الكويت إحالة زعيم سياسي وطني وقومي، كالدكتور أحمد الخطيب ووزير ليبرالي كسعد بن طفلة وكاتب ومحام، كمحمد عبد القادر الجاسم للنيابة العامة للتحقيق معهم في قضايا رأي وفكر وقلم، وفي نفس الوقت يتم في المملكة العربية السعودية اعتقال رجال علم وفكر وإعلام وقانون، كالدكتور سعيد بن الزعير وابنته هند وابنه الدكتور سعد والدكتور سعود مختار والدكتور موسى القرني والمحامي سليمان الرشود ومن معهم وناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، كالأستاذ فؤاد الفرحان صاحب الصرخة الشهيرة (إذا سجنت فلا تنسوني) وعلي القرني وخالد القحطاني، وقبلهم الدكتور عبد الله الحامد وفالح المتروك وعبد الحميد المبارك ومهنا الحبيل وغيرهم، وفي قطر، تم اعتقال وسجن فهد المنصوري، ومن قبله الدكتور عبد الرحمن النعيمي بضع سنوات، بلا محاكمة ولا تهمة، وفي الإمارات تم اعتقال المحامي ورئيس جمعية الحقوقيين، محمد عبدالله الركن عدة مرات، وداعية حقوق الإنسان محمد المنصوري، وفي عمان، تم اعتقال الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، طيبة المعولي، وتم كذلك في البحرين اعتقال عدد من الناشطين السياسيين سنة وشيعة ....الخ
وكل هؤلاء الرجال والنساء والشيوخ والشباب على اختلاف توجهاتهم الفكرية الإسلامية والقومية والليبرالية، لا ذنب لهم ولا تهمة وجهت إليهم إلا الدعوة السلمية للإصلاح السياسي بالكلمة في هذه القناة الفضائية أو تلك والمقال في هذه الصحيفة أو تلك ليدفعوا ثمن ذلك الاعتقال والسجن والتعذيب وانتهاك حقوقهم الإنسانية والسياسية والقانونية والوظيفية!
وبقدر ما هزت كلمة فؤاد الفرحان في مدونته (إذا سجنت فلا تنسوني) ضمير كل إنسان حر في العالم حتى تجاوب معها كل المنظمات الحقوقية ولجان حقوق الإنسان، فقد كشفت عن مدى ما وصل إليه الاحتقان السياسي في المنطقة من تأزم ينذر باتساع الفجوة بين الشعوب الخليجية وحكوماته اوبفقدها شعبيت ها ومن ثم شرعيتها حيث فشلت الحكومات فشلا ذريعا في إدارة الخلاف مع معارضيها من خلال القنوات الدستورية ـ التي لاوجود لها ـ وفي الا لتزام بالحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان فما أن يتم اعتقال إنسان حتى يصبح في عا لم النسيان!
إن ما يجري في دول المنطقة من اعتقال بلا سبب وسجن بلا محاكمة وانتهاك لحقوق الإنسان وامتهان لكرامته ومصادرة لحرية الكلمة وتكميم للأفواه وحرمان الشعوب من حقها الشرعي والطبيعي في المشاركة الحقيقية في حكم بلدانها وفرض وصاية أسرية عشائرية على ثلاثين مليون عربي في الخليج، كل ذلك مظهر من مظاهر تجليات أزمة المواطنة التي يعيشها الخليجيون، فهم ـ وإن كانوا على أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم منذ عدنان وقحطان ـ يعيشون أزمة هوية ويفتقدون أدنى حقوق المواطنة التي تتمتع بها كل شعوب العالم الحر في القرن الحادي والعشرين حيث يقف الحاكم والمحكوم هناك على قدم المساواة في الحق وق والواجبات بينما تم في الخليج العربي ـ ومنذ الاحتلال البريطاني للمنطقة في الحرب العالمية الأولى وإقامة دويلات الطوائف الخاضعة له ـ إحلال علاقة التبعية والرعوية والطبقية بدل علاقة المواطنة في تحديد العلاقة بين الشعوب الخليجية التي قسمها الاستعمار البريطاني والأنظمة التي أقامها فهي علاقة (المعازيب بالفداوية) والمضيف بالضيوف والسادة بالعبيد حيث تم الاستئثار بالسلطة والثروة والأرض على نحو إقطاعي لا نظير له في العالم كله وهي إشكالية في غاية التعقيد حيث تم اختزال الدولة بالمدينة واختزال المدينة بالأسرة الحاكمة واختزال الأسرة بالحاكم المطلق ليصبح ثلاثون مليون عربي ضيوفا بلا كرامة وعبيدا بلا أغلال على أرضهم و أرض آبائهم وأجدادهم ليعيشوا مأساة (الهنود السمر)!
كما وعبرت صر خة الفرحان (إذا سجنت فلا تنسوني)عن أزمة أخلاقية كبرى يعيشها كثير من رجال الدين ورجال القلم في الخليج العربي والذين ملئوا الدنيا ضجيجا بالمحاضرات في كل القنوات والمنتديات عن الإصلاح دون أن يتبرعوا للدفاع عن الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان والدعوة إلى إطلاق سراح هؤلاء الأبرياء ولو بكلمة طيبة!
إن هذا الصمت الذي يمارسه كثير من رجال العلم والفكر والإعلام تجاه ما تتعرض له شعوب الخليج العربي من استلاب لحريتها وانتهاك لكرامتها ـ ليحافظ واهم على مصالحهم ووجاهتهم الزائفة ـ، إن لم يكن هذا الصمت إقرارا منهم لهذه الانتهاكات وخيانة للأمة، فهو الجبن والخور وحب الذات تحت عباءة الحكمة والعقلانية والرزانة في وقت لا يقتضي منهم الأمر سوى كلمة هنا أو هناك أو مقالة هنا أوهناك أوعريضة يشاركون بالتوقيع عليها ترفض هذا الظلم والجور الذي يتعرض له هؤلاء الأبرياء المظلومين ولو من باب إبراء الذمة.
والشعوب تعلم أن مثل تلك المشاركة لن تكلفهم شيئا، وفي استطاعتهم لو أرادوا القيام بذلك وهي من أوجب الواجبات الشرعية كما في الحديث (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونصرة المظلوم)، وقال أيضا (لا يقدس الله أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه) وإنما اشترط الشارع عدم الاستطاعة لسقوط الواجب في تغيير المنكر فلا عذر لمن أنكر بقلبه وهو يستطيع بلسانه كما في الحديث الصحيح (من رأى منكم منكر ا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه)، فلا معنى لصمت رجال الدين والفكر ـ مع كثرة ضجيجهم ـ الذي يتوارون فيه عن كلمة حق ولو لينة لطيفة على أسماع الطغاة إلا تخليهم عن رسالتهم محافظة على وجاهتهم ومراعاة لخواطر سادتهم!
لقد ضرب رجال الدين البوذيين في بورما المثل في تحركهم بالآلاف وتصديهم للسلطة هناك ـ عراة إلا من الشجاعة وحفاة إلا من العزيمة ـ دفاعا عن حرية شعبهم وحقوقه المسلوبة بينما يتهادى ـ كالطواويس ـ كثير من رجال العلم عندنا، بعباءاتهم المهداة لهم من أسيادهم من أموال الأمة المنهوبة ويتبخترون بها ليحدثوا الأمة عن وجوب التضحية التي لا يعرفونها وعن الشجاعة التي يفتقدونها وعن الأمانة التي خانوها وعن المروءة التي وأدوها بصمتهم المشبوه في فترة الأمة فيها أحوج ما تكون إلى الصدع بالحق والقيام به قبل أن يضربها ـ لا قدر الله ـ الإعصار الجارف ليشنق آخر قسيس بأمعاء آخر طاغية!