المقال المفقود
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
أظن ـ وأكذب الحديث الظن ـ أني كتبت مقالا بعنوان ( الخليج غياب القرار وفقد الاستقرار ) ليكون افتتاحية ( مشكاة الرأي ) عدد (103) وكأنني أرسلته إلى الأخ الدكتور عبد الرازق الشايجي في الوقت المحدد ولا أدري بعد ذلك في أي واد هلك وليس هو بأول مقال لي تختطفه يد المنون قبل أن يهل صارخاً ؟!
وأظن أن مضمونه إن لم أهم ـ كان حول أوضاع منطقة الخليج وأنه لن يحقق الخليجيون الأمن والاستقرار ما لم يملكوا القوة والقرار وأنه لا بد من أن يكون زمام المبادرات السياسية والعسكرية في أيديهم حتى لا يجترأ عليهم عدو ولا يطمع فيهم طامع فدول الخليج تملك من أسباب القوة إن أرادت استثمارها ما تستطيع به حماية أراضيها ومصالحها بنفسها دون حاجة كبيرة للتدخل الدولي إلا في أضيق الحدود إذ أنها ستفقد من استقلالها وسيادتها بقدر حجم ومساحة هذه التدخلات الدولية كما هو معلوم وواقع ولا يتصور أن يكون تعداد شعوب الخليج عشرين مليون نسمة وبهذه الثروات النفطية الضخمة والمساحة الجغرافية الشاسعة التي بحجم مساحة أوربا ثم تعجز عن إعداد قوة دفاعية قوامها مائة ألف رجل مجهزة بأحدث الأسلحة للتدخل السريع عند تعرض أي دولة خليجية للخطر من أي جهة كانت ؟! .
إن دول الخليج لا ينقصها إلا القرار السياسي الموحد الذي سيجعل من تفرقها وحدة ومن ضعفها قوة ومن خوفها أمنا وسيحقق لها أمنها واستقرارها الذي لم تنعم به منذ عشرين سنة وسيحفظ عليها ثرواتها ومصالحها التي تم استنزافها بسبب هذه الأزمات حتى صارت دولا مدينة بعد أن كانت دائنة ؟!
وأهم من هذا وذلك سيحفظ لها كرامتها وعزتها بعد أن شمت به القاصي والداني وسخر منها الأصدقاء قبل الأعداء وصارت مادة لوسائل الإعلام العالمية حتى وصفها كثير من الصحف الغربية بأنها ( دول بدائية لا ينبغي أن تترك وحدها) وبأن شعوبها ( شعوب همجية متخلفة ) وبأنها ( لا تستحق أن تكون دولاً) الخ ...
وأظن أيضا أنني طالبت في ذلك المقال البائس رجال الفكر والسياسة أن يصارحوا حكوماتهم وشعوبهم بالأسباب الحقيقية لمشكلة أزمات الخليج المتكررة وأن يناقشوا بكل صدق وصراحة أسباب ضعف دولهم وعجزها عن حماية نفسها وأن يطرحوا الحلول المناسبة الجذرية لهذه المشكلة فهذا أجدى من هذا السيل الجارف من المقالات الصحفية والمقابلات الهوائية التي تحاول تبرير الأوضاع وتحيل الأحداث دون كشف عن أسبابها وإيجاد الحلول لها .
فهذا هو مضمون ذلك المقال الذي كان فيما أظن صريحا أو أكثر من الجرعة المسموح بها ولا أجد هنا أفضل شاهداً من قصيدة ( لقيظ الأيادي ) وهو يحذر قومه من غزو جيوش كسرى لهم حيث يقول :
يا أيها الراكب المزجي مطيته .. إلى الجزيرة مرتاداً ومنتجعاً
أبلغ أياد وخلل في سراتهم .. إني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا
يا لهف نفسي إذا كانت أموركم .. شتى وأبرم أمر الناس فاجتمعا
مالي أراكم نياما في بلهنية .. وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا
قوموا قياما على أمشاط أرجلكم .. ثم أفزعوا قد ينال الأمن من فزعا
وقلدوا أمركم لله دركم .. رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده .. ولا إذا عض مكروه به خشعا
وليس يشغله مال يثمره .. عنكم ولا ولد يبغي له الرفعا
لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل .. فاستيقظوا إن خير العلم ما نفعا
هذا كتابي إليكم والنذير لكم .. لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا