بل أبطال
بقلم د.حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 6/10/2002
عندما دخل الاستعمار الغربي العالم العربي في القرن التاسع عشر لم يدخل أرضا فضاء بل كان في كل بلد دخله الاستعمار مملكة قائمة وحكومة حاكمة فلم يسع الاستعمار لإسقاطها إذ وجدها كلها في خدمته فهي التي فتحت له الأبواب وقامت بمهمة التصدي لمن رفضوا دخوله وعندما قام الأمراء المجاهدون والعلماء الربانيون بإعلان الجهاد ضد الاستعمار آنذاك كان أول من تصدى لهم تلك الحكومات وعلماؤها ولم يكن أولئك المجاهدون في نظر الاستعمار ووكلائه أبطالا بل عصابات إجرامية خارجة عن الطاعة والقانون؟!
هكذا كان ينظر الاستعمار وأتباعه للمجاهد الأمير عبد القادر الجزائري وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار وغيرهم من المجاهدين الذين لم يصبحوا رموزا للأمة إلا بعد ذلك لمقاومتهم الاستعمار مع إن بعضهم تواطأت الحكومات على تسليمهم كمجرمي حرب وتم نفيهم أو قتلهم وكان من علماء السلطة من يفتي آنذاك بمشروعية تصرف تلك الحكومات؟!!
لقد ذهبت تلك الحكومات وعطاؤها وكتابها وحكماؤها إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ودخلوا التاريخ من أسوأ أبوابه تتبعهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وظل قادة الجهاد الذين ماتوا في السجون أو شنقوا أو استشهدوا في ساحات القتال رموزا وأبطالا إذ قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل تحرير أمتهم واستقلالها وكرامتها يوم أن باعت تلك الحكومات وعلماؤها حرية الأمة واستقلالها بثمن بخس بل وصنعوا القيود والأغلال لتوضع فيها أيدي وأرجل المجاهدين الذين تصدوا لهذه الصفقة الآثمة.
لقد عاهد النبي (صلى الله عليه وسلم) قريشا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء منهم مسلما فلما جاء أبو بصير فارا من اضطهاد قريش لم يسلمه النبي «صلى الله عليه وسلم» لهم بل خلى بينهم وبينه التزاما بالمعاهدة فلم يمنعهم من أخذه ولم يقم النبي (صلى الله عليه وسلم) بتسليمه فلما فر منهم أبو بصير وقتل من احتجزوه ولجأ إلى الساحل يقطع الطريق على قريش قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (ويل أمة مسعر حرب لو كان معه رجال) وبقصته احتج شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم على عدم مسؤولية الدولة الإسلامية عمن قاتل المشركين خارج حدودها وعلى مشروعية ما فعل أبو بصير وأصحابه وبها احتج الشيخ عبد الرحمن حسن بن محمد عبد الوهاب على جواز القتال دون وجود الإمام وإذنه وقال (إنما يكون الإمام إماما بالجهاد لا إنه لا جهاد إلا بإمام) ولا يمكن أن يعتذر للحكومات التي تواطأت على تسليم المجاهدين للاستعمار كما حصل للأمير عبد القادر الجزائري وغيره احتجاجا بقصة أبي بصير هذه إذ الفرق واضح والبون شاسع بين دولة النبي (صلى الله عليه وسلم) التي كانت مستقلة لم تكن تحت هيمنة المشركين ولا سيطرتهم وتلك الحكومات التي كانت تعمل لخدمة الاستعمار ومخططاته مقابل بقائها واستمرارها ولم تكن تملك من أمرها شيئا كما لم يقم (النبي صلى الله عليه وسلم) بمطاردة وملاحقة أبي بصير خارج حدود دولته بل شجع الناس على الالتحاق به وأقره على تصرفه وأثنى عليه كما أن أبا بصير لم يكن من رعايا الدولة الإسلامية ولا مواطنيها وقت المعاهدة التي نصت على إرجاع من جاء من مكة فقط لا على تسليم أحد من أهل المدينة التي تمثل إقليم الدولة الإسلامية, بينما قامت تلك الحكومات بتسليم المجاهدين الذين هم من مواطنيها وهو تصرف محرم بإجماع الأمة بل يعد ردة عن الإسلام وناقضا من نواقض الإيمان.
لقد ذهب الذين وصفوا المجاهدين بالإجرام وظل الأقزام من علماء السلطة وأصحاب الأقلام في دائرة الأقزام وطي النسيان بينما بقي الحسين بن علي سيد شباب الجنة رمزا للمجاهدين والمكافحين الرافضين للطغيان وإن كان في نظر السلطة خارجا عن الطاعة والنظام!
وكذا لم يضر أسامة طعن الطاعنين فيه ولا قدح المشككين في قدراته على قيادة القوات لمواجهة الروم بل قال عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) (والله إنه لخليق بالإمارة وإن تكونوا طعنتم به فقد طعنتم بأبيه من قبل)؟