الولايات المتحدة ونساء الخليج
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 21/5/2003
لمَ كل هذا الاهتمام الأمريكي بحقوق المرأة السياسية في منطقة الخليج العربي؟ وهل يعقل أن يكون المدخل الصحيح للإصلاح السياسي الديمقراطي البدء بحقوق المرأة قبل حقوق الشعوب ذاتها؟ أليس تناقضا فاضحا الحديث عن حقوق المرأة السياسية في دول لم تحصل الشعوب فيها بعد على حقها في اختيار حكوماتها ولا يوجد فيها حرية حقيقية ولا تعددية ولا أحزاب سياسية؟
ما السر وراء كل هذا الاهتمام الأمريكي بالمرأة في الخليج إلى حد الضغط على حكومات المنطقة لتبدأ الإصلاح السياسي بها وعدم الاكتراث في المقابل بالأساس الأول للنظام الديمقراطي وهو حق الشعوب في اختيار حكوماتها؟!
هذه الأسئلة وجهناها للمستشار السياسي للسفير الأمريكي في زيارته لنا بتاريخ 31/12/2002 مع تأكيدنا له بأننا نرفض مبدأ التدخل في شئوننا الداخلية وأننا نفضل تحقيق تطلعاتنا بجهدنا الذاتي ولو بعد عشر سنين على أن تتحقق بعد سنة بضغط خارجي فحار جوابا ثم قال:
أرأيتم هذه الطاولة التي بين يدي وهذه الأكواب التي عليها إذا لم استطع قلبها ماذا أفعل؟ ثم قال: بالطبع يمكن إعادة ترتيب الأكواب من جديد إذا لم نتمكن من قلب الطاولة في شكل كامل؟
وحقا لم يقنعنا جواب المستشار لأننا لم نكن نجهل الإجابة عن ذلك السؤال بل ندرك أبعاد وأهداف كل هذا الاهتمام بالمرأة التي هي المدخل الطبيعي للتغيير الثقافي لفتح المنطقة على مصراعيها أمام الثقافة الغربية وقيمها الأخلاقية في مجتمعات محافظة لا تعاني المرأة فيها من مشكلة بقدر معاناة الشعوب نفسها من الاستبداد السياسي ومصادرة حقوقها وحرياتها مع كون حكوماتها حليفة منذ نصف قرن للولايات المتحدة التي اكتشفت فجأة أن الإصلاح السياسي في الخليج يبدأ بالمرأة لا بالشعوب؟
بالطبع لا يمكن تصديق أمريكا بأنه يهمها موضوع الديمقراطية والحريات السياسية في المنطقة إلا إذا صدقنا أنها جاءت بجيوشها وأساطيلها من أجل تحرير الشعب العراقي لا من اجل احتلاله والسيطرة على ثرواته!
لقد اكتشفت أمريكا أن العالم لن يصدق أن الهدف من الحرب على العراق هو إقامة نظام ديمقراطي ومن أجل تداول للسلطة سلمي في الوقت الذي ما تزال حكومات المنطقة الحليفة لها تحكم شعوبها في شكل استبدادي فلا صحافة حرة ولا أحزاب معارضة ولا تعددية سياسية ولا حرية حقيقية بل هي المنطقة الوحيدة في العالم العربي كله التي تحظر قيام الأحزاب السياسية التي لا يتصور قيام تعددية وحرية من دونها؟! لقد أدركت أمريكا انه لا بد من حل هذه الإشكالية في شكل مقبول يثبت للعالم مدى اهتمامها في موضوع الحرية والديمقراطية في الخليج كله وليس فقط في العراق وان الدول الحليفة لها في المنطقة تسير هي أيضا في هذا الطريق في شكل سلمي دون حاجة لخوض حرب معها من اجل تحرير شعوبها منها كما حصل في العراق فتفتق ذهن الساسة في أمريكا عن هذا الحل الذي يرفع عنها الحرج ولا يضر حلفاءها في المنطقة فلتكن البداية بحقوق المرأة التي لا تمثل مشكلة بالنسبة لحكومات المنطقة بل هي محل قبول لديها ما دامت ستؤجل طرح موضوع حقوق الشعوب في منطقة الخليج باختيار حكوماتها عن طريق الانتخاب المباشر وهو ما لا تريده الحكومات ولا تريده أمريكا أيضا!
أليس غريبا إذن أن تشارك دول المنطقة في حرب تحرير العراق من أجل إقامة نظام ديمقراطي هناك يقوم على التعددية والحرية السياسية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان بينما هذه الدول نفسها لم يتحقق لشعوبها شيء من ذلك؟! كيف تشارك هذه الدول التي مازالت تحكم شعوبها وفق مبدأ إقطاعي يقوم على تبعية الشعوب للحكومات لا العكس في حرب من أجل إقامة دولة ديمقراطية حديثة في العراق؟! وهل تحقيق هذا الهدف في العراق الذي يعيش كل التناقضات العرقية والطائفية والسياسية أسهل من تحقيقه في الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة والتي لا تتردد في تنفيذ ما تطلبه أمريكا منها ابتداء من الدخول في عملية السلام مع إسرائيل والعمل من أجل مكافحة الإرهاب بما في ذلك قطع المساعدات للمقاومة الفلسطينية المشروعة وانتهاء بإقرار حقوق المرأة السياسية؟
ما الذي يمنع أمريكا التي خاضت حربا مدمرة في العراق من أجل الديمقراطية أن تطلب من حلفائها في المنطقة احترام حقوق الإنسان والعمل من أجل إقرار مبدأ التعددية السياسية والسماح بإشهار الأحزاب ومشاركة الشعوب في اختيار حكوماتها في شكل مباشر في ظل ملكيات دستورية؟!
قطعا لا يوجد ما يمنع أمريكا من ذلك فشعوب المنطقة لا ترفض مثل هذه الإصلاحات السياسية بل تتوق إليها كما لا تتعارض هذه الإصلاحات مع دين المجتمع وقيمه الحضارية إذ الشورى السياسية وحق الأمة في اختيار السلطة ومشاركتها الرأي ومحاسبتها كل ذلك من مبادئ أصول الحكم في الإسلام وهي مبادئ مشتركة بين الإسلام والديمقراطية فلمَ تغض الإدارة الأمريكية الطرف عنها مع أهميتها وخطورتها والتي هي الأساس لأي عملية إصلاح سياسي واقتصادي وتنموي وتشغلنا بدلا من ذلك بحقوق المرأة السياسية؟
أعلم أنها أسئلة يصعب الإجابة عنها ولن يستطيع الليبراليون الخليجيون الإجابة عنها لأنهم هم أول من رفضوا دعوة الحركة السلفية إلى التعددية السياسية قبل ثلاث سنوات([1]) بدعوى أن الوقت لم يحن بعد فمازالت الشعوب في نظرهم قاصرة لتتمتع بحقوقها السياسية؟! وسيجد سدنة العهد الأمريكي الجديد أن كل ما يبشروننا به من تهيئة المنطقة للعصر الديمقراطي ليس سوى خدعة كبرى وكذبة باردة في ليلة شاتية لأنه كما جاء في الحكمة القديمة إنك لا تجني من الشوك العنب فكل الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية منذ نصف قرن هي أنظمة ديكتاتورية استبدادية عسكرية كانت أو ملكية ولم نجد نظاما واحدا منها نجح في تطوير ممارساته السياسية طوال تلك المدة ولا يهم أمريكا أن تتحول الحكومات الحليفة لها إلى أنظمة ديمقراطية بقدر اهتمامها بان تظل مستعمرات أمريكية بشرط المبادرة إلى إقرار حقوق المرأة السياسية ولا عزاء للشعوب الخليجية؟!
([1]) دعت الحركة السلفية للتعددية السياسية في بيان منشور لها بتاريخ: 11/4/2001.