حكم الغناء بالقرآن
بقلم : د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
الوطن ـ مشكاة الرأي
22 /2 /2001
(الحمد لله
الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيمًا لينذر بأسًا شديدًا من
لدنه) و (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا) وقد أمر
سبحانه وتعالى بإجلال كتابه وتعظيمه فقال: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل
لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله) وحكم على من اتخذ آياته لعبًا وهزءًا
بالكفر والخروج من الإيمان فقال: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب
قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
وقد فجع
الشعب الكويتي بما جرى من استخفاف بالقرآن ومحاولة الغناء والرقص بآياته
ولقد أجمعت الأمة على كفر من اتخذ شيئًا من آيات القرآن للغناء والطرب أو
الرقص واللعب فقال العلامة ابن فرحون المالكي في كتابه (تبصرة الحكام)
(23/214): (ومن استخف بالقرآن أو بشيء منه أو جحده أو حرفاً منه أو كذب
بشيء منه أو أثبت ما نفاه أو نفي ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء
من ذلك فهو كافر بإجماع أهل العلم) وقال العلامة الحصني الشافعي في كتابه
(كفاية الأخيار) (494): ( وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم وإلقاء المصحف
في القاذورات أو قراءة القرآن على ضرب الدف) وقال العلامة البهوتي الحنبلي
في (شرح الزاد) (7/404) في حكم المرتد: (أو أتى بقول أو فعل صريح في
الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته) قال ابن عاصم في حاشيته:
(أو أسقط حرمته أي مهابته وما يجب من القيام به من حقوقه وما لا يحل
انتهاكه كفر) . وإذا كان هجر القرآن واتخاذه ظهريًا كفر بإجماع الأمة؛ فكيف
باللعب بآياته والرقص بها؟!
وإذا كان
العلماء قد اختلفوا في تضمين الخطب النثرية أو الأبيات الشعرية شيئًا من
الآيات القرآنية بواسطة الاقتباس فمنهم من حرمه تعظيمًا لشأن القرآن
وإجلالاً له ومنهم من أباحه بشرط أن يكون النثر أو الشعر كلامًا شريفًا لا
إسفاف فيه ولا صنعة؛ فإنهم لم يختلفوا في كون الغناء به واللعب والرقص
والطرب كفرًا يخرج من الملة بالإجماع، والخلط بين القضيتين عبث بالدين
واستخفاف بعقول المسلمين والحكم مبني على مقدمتين هما:
1- هل الرقص والغناء والطرب مناسب لإجلال القرآن وتعظيمه أم من صور الامتهان له وتهوينه.
2- وهل امتهان القرآن كفر أم ؟
أما
المقدمة الأولى؛ فلا شك بأن اللهو واللعب والرقص مناف للإجلال والتعظيم
والتوقير، ومن ادعى خلاف ذلك؛ فهو مكابر إذ ساوى بين من يرتل القرآن بخشوع
في المساجد ومن يلهو بآياته في المسارح ولا يساوي بين الصورتين إلا خفيف
عقل أو رقيق دين.
وأما
المقدمة الثانية؛ فقد أجمع العلماء على أن امتهان القرآن كفر وردة صريحة؛
لقوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته
ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
ومن استحل
مثل هذا الفعل؛ فقد اجتمع فيه كفران كفر الاستخفاف بالقرآن وكفر الاستحلال
لهذا الاستخفاف، وقد نص ابن فرحون على أن من شك في كون هذا الفعل كفرا؛ فهو
كافر بإجماع العلماء أيضاً.
وقد وصف الله عز وجل حال
المؤمنين فقال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت
عليهم آياته زادتهم إيمانا) وقال عن الكافرين: (اتخذوا آياتي وما أنذروا
هزوا) فيجب على كل مسلم أن يعظم آياته وعلى الحكومة ومجلس الأمة مسئولية
إيقاف ومحاسبة كل من يستخف بالقرآن صيانة لقدسيته من العبث واللعب ومنعًا
لما يسببه ذلك من إيذاء نفسي واعتداء معنوي على مشاعر الشعب الكويتي في
أقدس مقدساته ودرءا للفتنة وحفاظًا على استقرار المجتمع وأمنه والله الهادي
إلى سواء السبيل.