كشف الأستار عن شبهات الحوار
رداً على ما كتبه خليل حيدر
في صحيفة الوطن
1-5
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام 5/3/2004
كتب الأستاذ خليل حيدر ست مقالات في صحيفة (الوطن) بعنوان (الحوار السلفي الأميركي) عقد فيه محكمة تفتيش لفكر د. حاكم المطيري والحركة السلفية وحشد الأدلة التي تؤكد أن حاكم المطيري لا يؤمن بالحرية ولا بالتعددية السياسية ولا بالتداول السلمي للسلطة ... الخ
وقد حاولت نشر هذا الرد عليه في صحيفة (الوطن) ليطلع قراؤها عليه وهذا من حقهم غير أن «الوطن» اعتذرت عن نشره دفاعا منها عن حرية الكلمة من طرف واحد في عهد الديمقراطية والليبرالية الجديدة؟!
ولم أتفاجأ بما كتبه حيدر عني ولا عن الحركة السلفية خاصة وعن الحركة الإسلامية عامة فهو يعد من أشد كتاب الفكر العلماني تطرفا وأقلهم إنصافا مع كل مخالفيه سواء من كانوا من التيار الإسلامي أو التيار القومي العلماني فلا عجب أن تكون كتاباته فاقدة للحد الأدنى من المصداقية والموضوعية والحيدة العلمية وهي أبرز سمات مقالات حيدر وأخص خصائصها ولعل أعجب ما رأيت في مقالاته الأخيرة التي بعنوان (الحوار السلفي الأميركي) أنه لم ينقل ولو كلمة واحدة من ردودي عليه في صحيفة (الوطن) أكتوبر- نوفمبر 1999م وهي ست مقالات بعنوان (قبل بدء الحوار) فما السر يا ترى الذي حمل الأستاذ حيدر على عدم الرجوع إلى تلك المقالات؟ ولماذا لم يرجع إلى كتاباتي ومقابلاتي في صحيفة «الرأي العام» و«السياسة» و«القبس» والصحف الأخرى وفي بيانات الحركة السلفية ومقابلاتها؟ كما لم يشر لا من قريب ولا من بعيد للردود التي بيني وبينه مع أنها كلها في موضوع الحرية والتعددية والديمقراطية، وقد أجبت فيها آنذاك عن كل ما آثاره حيدر من شبه فلِمَ تجاهل تلك الحلقات في صحيفة «الوطن»؟! وسأحاول هنا كشف الأستار عن شبهات ذلك الحوار ليعلم الجميع مدى الأمانة العلمية التي تمتاز بها كتابات حيدر وهذه بعض النماذج:
أولاً: قال حيدر في «الحوار السلفي الأميركي»: «بعض كتابات د حاكم المطيري تبدو في غاية الحماس للانفتاح الديمقراطي أو التعددي وهذا ما يجعلك تحسبه نصيرا قويا وثابتا للتعددية الحزبية وحرية العمل السياسي بل والديمقراطية البرلمانية في بعض الأحيان وبخاصة إذا لم تسمع بقية أقواله! غير أن مجموعة أخرى من أفكاره لا تبدو منسجمة على الإطلاق مع هذا النفس التعددي ومن هذه المقالات التي كتبها د حاكم المطيري والتي تبين ضعف إيمانه بالحرية والتعددية السياسية مقال «بل أزمة إرادة» حيث يقول بالنص: «إننا لا ندعو إلى الحرية لكونها شرطا لتحقيق النهضة كما يتوهم الليبراليون العرب إذ الواقع يثبت أن النهضة تحققت في ظل أنظمة استبدادية» (الرأي العام 21/10/2001) ويبدي د. حاكم إعجابه بهتلر.... الخ)انتهى كلام حيدر!
قطعا لن يفهم القراء من هذا الدليل الواحد إلا شيئا واحدا وهو أن د.حاكم لا يدعو إلى الحرية ولا يؤمن بها بل يؤيد الاستبداد ويؤكد ذلك انه يثني على هتلر الدكتاتور النازي؟! هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي سيتبادر إلى أذهان القراء عند سماع دليل الإدانة الذي أورده ضدي حيدر ليثبت به ضعف إيماني بالحرية؟
خاصة ولحرصه الشديد على النقل بأمانة جاء بعبارة حاكم المطيري (بالنص) حتى لا يرتاب أحد بصدق الأستاذ حيدر وأمانته؟! إلا أن القراء سيعجبون بل سيصدمون بل سيُصعقون عندما يكتشفون بأن دليل الإدانة هذا الذي ذكره حيدر (بالنص) هو أصدق دليل على براءة حاكم من هذه التهمة- كبراءته من اتهامات جهاز أمن الدولة له- وأنه أقوى دليل على مدى إيمان حاكم بالحرية وأوضح دليل على فقد الأستاذ حيدر للأمانة العلمية والموضوعية والمصداقية في النقل والنقد؟! وهذا هو نص العبارة كاملا ليطلع عليه القراء ثم يصدروا حكمهم حيث قلت في مقالي المنشور في «الرأي العام» بعنوان «بل أزمة إرادة»: «لقد نهضت أوروبا منذ أربعة قرون في عهد الملكيات الاستبدادية قبل أن تعرف حق الشعب وحق الفرد وحق المرأة وقبل أن تعرف الليبرالية أو الاشتراكية وكذا نهضت روسيا والصين في ظل حكم شمولي استبدادي ونهضت اليابان في ظل الإمبراطورية قبل أن تعرف الديمقراطية.. إننا لا ندعو إلى الحرية لكونها شرطا لتحقق النهضة كما يتوهم الليبراليون العرب إذ الواقع يثبت أن النهضة تحققت في ظل أنظمة استبدادية بل نحن ندعو إلى الحرية وندافع عنها لكونها حقا للشعوب والأفراد وهبهم الله إياها كما وهبهم الحياة سواء تحقق في ظلها تطور وازدهار أم لم يتحقق إذ جعلها شرطا للنهضة يفقد الحرية قيمتها ويقلل من أهميتها» انتهى كلامي بحروفه ليتضح مدى التضليل الذي مارسه الأستاذ حيدر مع القراء ببتر العبارة عن سياقها بطريقة (القص واللصق) التي يجيدها فإذا دليل الإثبات الذي في صالح د.حاكم المطيري يصبح دليل الإدانة الوحيد ضده بعد أن بتره حيدر على طريقة «لا تقربوا الصلاة» فأنا في تلك المقالة أؤكد إن الحرية حق من حقوقنا وهبها الله لنا كما وهب لنا الحياة فهي لهذا ضرورية للأفراد والمجتمعات لا كما يدعي الليبراليون (السمر) الذين ينادون بالحرية لأنها شرط من شروط التطور والتقدم إذ يفتح ذلك الاشتراط الطريق للاستبداد السياسي حين تتعثر النهضة في ظل الحرية فإذا كان الهدف هو النهضة بالأمة فالتاريخ يؤكد أن النهضة الأوروبية والروسية واليابانية والصينية تحققت في ظل أنظمة شمولية استبدادية قبل معرفة الأنظمة الديمقراطية الحديثة فمن الخطأ ربط استحقاق الشعوب للحرية لكونها شرطا للنهضة كما يزعم حيدر إذ يقلل ذلك من قيمة الحرية ويجعلها عرضة للمصادرة حين لا تتحقق في ظلها النهضة بل الحرية في نظرنا هبة من الله للإنسان يحرم مصادرتها عليه كما يحرم مصادرة حياته سواء تحققت بها النهضة أو لم تتحقق وقد عبر عن ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حين قال دفاعا عن قبطي مسيحي (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) فهل هناك أوضح حجة من تلك العبارة على قوة إيماني بالحرية؟ وهل هناك أوضح من هذا النموذج على فقدان كتابات حيدر للأمانة العلمية والموضوعية والمصداقية؟ فما هي مشكلة الأستاذ حيدر؟ هل يريد أن يكون موضوعيا غير إنه لا يعرف السبيل؟ أم يعرف السبيل غير إنه لا يريد أن يكون موضوعيا؟!
إن الأدلة تؤكد أن هذه عادة لحيدر في كل كتاباته ومقالاته وهذا هو السر الخطير في عدم استشهاده بأي من الحلقات الست التي حاورته فيها على صفحات جريدة «الوطن» سنة 1999 وتجاهله للحوار الذي دار بيني وبينه في صحيفة «المستقلة» في لندن في مايو 1999 إذ فيهما ما ينقض كل شبهات حيدر التي أثارها آنذاك وكررها اليوم في (الحوار السلفي الأميركي) وفيها ما يكشف بوضوح أباطيله وأساليبه وأنه يجادل من أجل الجدل لا لمعرفة الحقيقة، ولهذا حرص أشد الحرص على ألا يشير من قريب ولا بعيد لتلك المقالات؟!
وإليك عزيزي القارئ ما جاء في الصحيفتين بالنص والحرف حيث قلت في ردي على حيدر الذي سأل هل يمكن إقامة دولة صناعية حديثة دون الارتباط بالغرب وبلا ديمقراطية فأجبت: (نعم، كل ذلك من الممكنات فقد قامت النهضة الأوروبية في عصر ملوك أوروبا الذين شجعوا العلم والعلماء قبل أن تقوم الأنظمة الليبرالية والديمقراطية كما استطاع الماركسيون في روسيا أن يجعلوا منها ثاني أقوى دولة في العالم واستطاعت أن تصل إلى القمر في ظل نظام استبدادي لم يشهد له العالم مثيلا في وحشيته كما استطاع هتلر أن يجعل من ألمانيا المحطمة في الحرب العالمية الأولى أقوى دولة في أوروبا في الحرب العالمية الثانية، ولم يكن نظامه ديمقراطيا ولا ليبراليا، وهذه الصين اليوم تعد أعلى دولة في معدلات النمو وهي عملاق القرن القادم مع أنها تحت سيطرة الحزب الشيوعي الذي ظل على عداء مع الغرب عقودا طويلة ولم يمنعه ذلك من التطور الصناعي إن الشروط التي يضعها الكاتب- حيدر- لتحقيق النهضة العربية هي شروط إيديولوجية وليست شروطا علمية فالواقع أكبر شاهد على بطلان هذه الشروط مع انه ليس هناك ما يمنع من التعامل مع الغرب والتواصل الحضاري والثقافي وتبادل المصالح المشتركة) (الوطن 21/10/1999م والمستقلة اللندنية 17/5/1999 )
فهل يمكن أن يفهم أحد من عبارتي هذه أنني أؤيد الأحزاب الشيوعية أو النازية مع إنني قلت عن النظام الشيوعي السوفيتي (نظام استبدادي دموي لم يشهد العالم له مثيلا في وحشيته؟)، وهل هناك أحد ينكر أن هذه الأنظمة الاستبدادية أقامت نهضة صناعية كبرى في بلدانها ونهضت بأوطانها مع إنها ليست ديمقراطية ولا ليبرالية فما الذي يمنع الشعوب العربية والإسلامية من إقامة نهضة صناعية مع احتفاظها بقيمها وتراثها ودينها الذي كان أول من دعا إلى الحرية الإنسانية؟ولماذا يشترط العلمانيون العرب أن ترتمي الأمة في أحضان الغرب من أجل النهضة والتقدم كما يدعو إلى ذلك خليل حيدر؟
وقلت أيضا في «الوطن 11/11/1999»: (إن كثيرا من دول العالم العربي والإسلامي والعالم الثالث كانت ومازالت حليفة للغرب منذ نصف قرن ومع ذلك لم تقم فيها نهضة صناعية ولم تتمتع شعوبها بالحرية والاستقرار كما في تركيا وباكستان وإيران قبل الثورة بل ظلت كثير من النظم الدكتاتورية والعسكرية تجد دعما غربيا على حساب الشعوب) وقد اعترف الرئيس الأميركي([1]) أخيرا أن بلده ومنذ ستين عاما كان يدعم الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط؟!
كما قلت في ردي على حيدر في «الوطن 7/10/1999» (هل يريد حيدر إيهام القراء بأني أؤيد الأنظمة الماركسية والنازية؟ إذا كان مجرد استشهادي بهذه النماذج يعده حيدر تأييدا لمناهج هذه الأنظمة فمشكلة حيدر ليست في اللغة والتعبير بل في الاستنتاج والتفكير! فأنا أؤيد قيم الحرية والديمقراطية لا لأنها شرط للنهضة وإنما لأنها حق للإنسان وللشعوب يحرم مصادرتها عليها سواء تحقق بهذه المبادئ تطور ونهضة أم لم يتحقق فلا أنا بالذي نفيت ضرورة الديمقراطية ولا أنا بالذي أيدت المناهج الروسية والصينية والنازية فأين هي الموضوعية؟!) انتهى ردي على شبهة حيدر التي أثارها ضدي آنذاك وهو رد واضح جلي فلماذا أعاد نفس الشبه بعد خمس سنوات؟
كما قلت أيضا في ردي عليه في «الوطن 11/11/1999» (إننا نؤيد الحرية السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية كحق من حقوق الأفراد والشعوب ونؤمن بضرورة المشاركة الشعبية في اختيار السلطة ومشاركتها في اتخاذ القرار ومحاسبتها غير أننا نرفض فصل الإسلام عن الدولة وواقع الحياة ونرفض تعطيل الشريعة الإسلامية ومصادرة إرادة الأمة التي تريد أن تعيش في ظل قيم دينها بدعوى الحرية الفردية إننا لا نرفض الليبرالية التي تعني الحرية ولا الديمقراطية التي تعني حكم الشعب وإنما نرفض العلمانية التي تهدم دين الأمة سواء كانت علمانية دكتاتورية أم علمانية ديمقراطية وسواء أكانت علمانية اشتراكية أو علمانية رأسمالية وسواء كانت علمانية قومية أو علمانية شعوبية لأننا بالعلمانية نخرج من الإسلام فهذا ما نؤمن به وندعو إليه لا إيمانا منا بالمفاهيم الغربية وإنما إيمانا منا بالإسلام الذي أكد كرامة الإنسان في قوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم) ([2]) وأكد حرية الاعتقاد كما في قوله تعالى (لا إكراه في الدين)([3]) (وأكد مبدأ المساواة كما في الحديث (الناس سواسية) وأمر بالشورى كما قال تعالى (وأمرهم شورى بينهم) ([4]) و(شاورهم في الأمر) ([5]) وأوجب العدل بين الناس جميعا كما قال تعالى(اعدلوا هو أقرب للتقوى) ([6]) كل هذه المبادئ العامة في إطار قوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ([7]) فهذه الحريات والحقوق الإنسانية إنما هي حكم الله سبحانه وتعالى)انتهى كلامي بحروفه فهل يحتاج الأستاذ حيدر إلى البحث عن عبارة هنا وعبارة هناك لمعرفة موقفي من الحرية والديمقراطية التي تعني حكم الشعب بينما رأيي واضح وضوح الشمس في رائعة النهار في ردودي عليه حول نفس الموضوع وفي جريدة «الوطن» بالذات وقبل أن أصبح أمينا عاما للحركة السلفية؟
ثانياً: ومن الأدلة أيضا على فقد كتابات حيدر للأمانة العلمية قوله في (الحوار السلفي) 21/1/2004: (اللافت للنظر أن الحركة السلفية قد تجنبت حتى استخدام كلمة الديمقراطية في البيان الذي تضمن أهدافها ونشر تحت الرؤية الإصلاحية وبينما طالبت الحركة الجميع بتبني هذه الرؤية فإن الحركة لم تطرح رؤية ديمقراطية للكويت ومنطقة دول مجلس التعاون وتحاشت تماما استخدام كلمة الديمقراطية)؟! وقال أيضا في الحلقة السادسة: (فالحركة السلفية تتجاهل الديمقراطية برمتها وقد اجمع العالم العربي على ضرورتها للنهضة والتقدم)؟
أقول: ما الذي يفهمه القراء من النص الذي أورده حيدر استنادا إلى الرؤية الإصلاحية للحركة التي طرحتها قبيل الانتخابات([8])؟ قطعا سيفهم الجميع بأن الحركة ضد الديمقراطية التي تعني حكم الشعب وأنها لشدة رفضها لحكم الشعب للشعب تحاشت حتى مجرد استخدام كلمة ديمقراطية!! وكم ستكون المفاجأة كبيرة حين يعلم القراء بأن ما جاء في الرؤية الإصلاحية للحركة السلفية ـ التي كتبتها أنا بصفتي أمينا عاما لها ـ هو الآتي: «إن تعزيز المرجعية الإسلامية في تحقيق الإصلاحات السياسية وتطوير ممارسات العمل السياسي في دولة الكويت هي المدخل الصحيح والضروري لحل جميع المشكلات التي أدت إلى التخلف على جميع الأصعدة وفي كل المجالات وهي نتيجة طبيعية للأزمة السياسية التي تتمثل في تهميش حق الشعب الكويتي في المشاركة في اختيار حكومته بشكل مباشر وحقه في محاسبتها وطرح الثقة بها كما يؤكده الإسلام الذي هو دين الدولة وتقرره الشريعة الإسلامية التي هي مصدر التشريع الرئيسي فيها كما في قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) ([9]) وأول الأمر ورأسه الحكومة كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (الإمارة شورى بين المسلمين) وكما قال الخليفة الراشد أبو بكر الصديق مؤكدا حق الأمة في محاسبة السلطة وعزلها (إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) وهو ما أكده الدستور الكويتي الذي نص على أن الشعب هو مصدر السلطات وقد أدى ذلك كله- أي تهميش حق الشعب- إلى استلاب مجلس الأمة صلاحياته وتهميش دوره وتجاوز إرادته الشعبية في كثير من القرارات والمشاريع بسبب الممارسات السياسية التقليدية التي أصبحت عائقا أمام عملية الإصلاح الشاملة ومانعا من قيام مجتمع مدني عصري يواكب تطور المجتمع الدولي من حوله ويتم فيه اتخاذ القرارات وممارسة العمل السياسي وفق أسس برلمانية تقوم على أساس المشاركة الشعبية في اختيار الحكومة البرلمانية وفق مبدأ التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة من خلال تطوير جذري للممارسات يتجاوز الأعراف السياسية التقليدية التي أثبتت عجزها عن مواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال حقوق الإنسان وحقوق الشعوب إلى أعراف دستورية جديدة أكثر قدرة على مواجهة التحديات وأكثر تعبيرا عن إرادة الشعب الكويتي وتطلعاته تقوم على:
(1) إقرار مبدأ التعددية السياسية وحق الشعب الكويتي في المشاركة في اختيار حكومته عن طريق تكليف الكتلة السياسية الأكثر عددا في مجلس الأمة بتشكيل الحكومة البرلمانية.
(2) إقرار حق إشهار الأحزاب السياسية التي شارت إليها المذكرة التفسيرية للمادة 56 عند حديثها عن التجمعات السياسية التي يشاورها رئيس الدولة عند تشكيل الوزارة وإصدار قانون ينظم شؤونها أسوة بالأنظمة الملكية التي سبقت في هذا المضمار كالأردن والمغرب بدلا من تركها تعمل خارج دائرة القانون وبعيدا عن الرقابة الشعبية وهو حق كفلته المواثيق الدولية وتقره الشريعة الإسلامية.
(3) تعديل قانون الدوائر الانتخابية لتصبح الكويت كلها دائرة انتخابية واحدة للقضاء على الفئوية والطائفية والقبلية والمناطقية التي أدت إلى تقسيم المجتمع الكويتي إلى مناطق داخلية ومناطق خارجية كما أدت إلى بروز ظاهرة شراء الأصوات والرشوة وتزييف إرادة الشعب بسبب قانون الدوائر الانتخابية الحالي ليصل إلى المجلس من لا يمثل الأمة.
(4) توسيع دائرة المشاركة الانتخابية بتخفيض سن الناخب إلى 18 سنة والسماح للعسكريين بالتصويت أسوة بالحرس الوطني.
(5) إلغاء قانون التجمعات رقم 65 لسنة 1979 الذي يمنع الأفراد من الاجتماع العام إلا بإذن من المحافظ والذي يجرم مثل تلك الاجتماعات مصادرا بذلك الحق الدستوري الذي نصت عليه المادة رقم 44 من الدستور.
(6) تعديل قانون المطبوعات بما يتناسب مع المادة 36 من الدستور التي كفلت حق إبداء الرأي وإلغاء حق السلطة التنفيذية بتعطيل المطبوعات وجعل حق إصدار الصحف مكفولا للجميع وليس للحكومة أن تصادر هذا الحق وإنما تنظمه وفق الأنظمة واللوائح.
(7) فتح المجال أمام حق إشهار جمعيات النفع العام والنقابات المهنية كما كفلته المادة 43 من الدستور التي نصت على (حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية)، وقد تم مصادرة هذا الحق سنة 1985.
انتهى نص الرؤية الإصلاحية السياسية للحركة السلفية الذي صغته أنا من ألفه إلى يائه بحروفه وكلماته فهل هناك أكثر وضوحا في الطرح الديمقراطي من هذه الرؤية؟ وهل في القوى السياسية بما فيها المنبر الديمقراطي والتجمع الديمقراطي من طرح مثل هذا الطرح السياسي الواضح والصريح والداعي إلى تقرير حق الشعب في اختيار حكومته البرلمانية وحق إشهار الأحزاب السياسية والنقابات المهنية وجمعيات النفع العام وإلغاء القيود التي تنتهك حقوق الإنسان وحريته كقانون المطبوعات وقانون التجمعات؟
وما الحرية التي يتباكى عليها حيدر إذا لم تكن هي ما دعت إليه الحركة السلفية في رؤيتها الإصلاحية من إقرار حق الشعب في اختيار حكومته وإقرار حق إشهار الأحزاب والتداول السلمي للسلطة فيما بينها بتكليف الكتلة البرلمانية الأكثر عددا بتشكيل الحكومة وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث واستقلال السلطة القضائية واحترام حقوق الإنسان ومساواة الجميع أمام القانون وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص لكل مواطن دون تمييز طائفي أو فئوي إلى غير ذلك من الحقوق والحريات التي دعت الحركة السلفية إلى إقرارها؟ ولم تكتف الحركة بالمبادئ والعموميات بل طرحت رؤيتها بشكل مفصل محدد واضح حتى لا يقال إنها تطرح شعارات عامة كالديمقراطية والحرية دون أن تحدد مرادها من هذه الألفاظ ومع كل ذلك خرج عليها حيدر ليقول بأنها تتجاهل الديمقراطية برمتها وإنها لم تدع إلى الديمقراطية وانها تحاشت حتى مجرد ذكر لفظ الديمقراطية و(إن الحركة السلفية لم تطرح رؤية ديمقراطية للكويت ولا لمجلس دول التعاون الخليجي) هكذا بلا موضوعية ولا مصداقية ولا أمانة علمية؟!!
مع أن كل ما سبق ذكره يؤكد ليس فقط إيمان الحركة السلفية بهذه المبادئ بل وأسبقيتها إلى طرحها لها قبل أي حركة سياسية لا في الكويت فقط بل في منطقة الخليج العربي كلها ولم تطرحها اليوم بل طرحتها قبل سنوات عديدة كما جاء في الوثيقة التي قدمتها الحركة السلفية للقوى السياسية قبل ثلاث سنوات وقبل أحداث 11 سبتمبر وقبل الحملة الاستعمارية الجديدة على العالم العربي بدعوى تحريره والقامة أنظمة ديمقراطية! كما دعونا في الخطاب المفتوح الموجه مني كأمين عام للحركة السلفية إلى حكومات مجلس التعاون الخليجي في مؤتمرها الأخير في الكويت([10]) حيث دعونا إلى إقرار حق شعوب الخليج في اختيار حكوماتها ولو في ظل ملكيات وإمارات دستورية وفتح الباب للتعددية السياسية والتداول السلمي بين القوى السياسية فيها .... الخ، فكيف يزعم حيدر بعد هذا كله أن الحركة لم تطرح رؤية ديمقراطية لا للكويت ولا لدول مجلس التعاون الخليجي؟
إن مشكلة حيدر ليست مع حاكم المطيري بل مشكلته مع المصداقية في النقل والموضوعية في النقد وفقدان كتاباته ومقالاته الحد الأدنى الذي يجب على أي كاتب يشعر بالمسؤولية وأمانة الكلمة المحافظة عليه فليس من المعقول ولا المقبول أن يأتي كاتب يدعي الموضوعية فيزعم- بعد كل ما سبق ذكره- أن حاكم المطيري لا يؤمن بالحرية ولا بالتعددية ولا بحق الشعب في اختيار حكومته وكما قال الأول:
وكيف يصح في الأذهان شيء ..... إذا احتاج النهار إلى دليل؟!
[1]- جورج دبليو بوش، الرئيس الثاني والأربعون للولايات الأمريكية المتحدة.
[5]- آل عمران، آية (159).
[8]- الانتخابات البرلماني في دولة الكويت (2003).
[10]- نشر في صحفتي الرأي العام والسياسة بتاريخ (21 ديسمبر – 2003 )