كشف الأستار
عن شبهات الحوار
رداً على ما كتبه خليل حيدر
في صحيفة الوطن
4- 5
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام / 3/2004
ولعل أطرف ما في حوار حيدر هجومه على الفكر السلفي ووصمه إياه بأقذع الأوصاف كما في قوله في الحلقة الأولى عن مشكلة السلفيين بالذات وأنها تتمثل في: (عدائهم الحاد للغرب وللولايات المتحدة وبسبب تبنيهم لنظام ديني مغلق يصطدم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وقانونياً مع كل ما هو سائد تقريباً في دول العالم) وقال في الحلقة الثانية: (ونحن نعرف مثلاً أن الفكر السلفي في أوائل القرن العشرين كان ضد حقيقة كروية الأرض وضد حقيقة أن البخار أصل الماء وضد التلفون واللاسلكي والراديو والسيارة وضد تعليم اللغة الإنجليزية وضد ترجمة القرآن ... الخ)؟!
بالطبع لم يسأل حيدر نفسه لماذا يورد كل هذه الشبه وما دخلها في موضوع (الحوار السلفي الأمريكي) الذي كان حول الديمقراطية والتعددية السياسية فالمهم عند حيدر هو ممارسة هوايته المحببة إلى نفسه وإن أدى ذلك إلى ممارسة لعبة القفز على الحقائق فمقالاته أشبه بصندوق العجائب ففيها كل ما يخطر على بال القراء فلا يوجد أي ترابط موضوعي بين الفقرات في كتاباته وهي تذكرنا بالكتاب الأسود فيه كل شيء وليس فيه شي؟!
ومع ذلك لن أدع الأستاذ حيدر يهنأ بهوايته هذه ولن أتركه يمارس دجله وشعوذته المعرفية على القراء وسأجيب على ما أثاره من شبه على الفكر السلفي المعاصر ليعرف القراء مدى التعالم الذي يدعيه حيدر في كتاباته فهو يقول (نحن نعرف أن الفكر السلفي في أوائل القرن العشرين كان ضد كروية الأرض) ونحن نقول لحيدر هذه القضية بالذات محل إجماع ليس في الفكر السلفي بل بإجماع المسلمين كافة منذ عصر الصحابة ومع بعدهم وقد نقل اتفاقهم على كروية الأرض شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى 5/150 حيث قال (اعلم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل وهي في الماء المحيط بأكثرها والأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع) وقال أيضاً في 6/587 في تفسير قوله تعالى (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل): (التكوير التدوير والليل والنهار وسائر أحوال الزمان تابعة للحركة فإن الزمان هو مقدار الحركة والحركة قائمة بالجسم المتحرك فإذا كان الزمان موصوفاً بالاستدارة كان الجسم أولى بالاستدارة) بالطبع سيصعق حيدر عندما يقرأ مثل هذه العبارات عن إمام من أئمة الفكر السلفي فهو لا يتصور أن هناك حضارة إسلامية سادت العالم ألف سنة ازدهرت في ظلها جميع العلوم والمعارف العلمية كالفلك والطب والكيمياء والميكانيكا والتي علي أساسها قامت الحضارة الإنسانية المعاصرة باعتراف عشرات العلماء الغربيين المنصفين ولهذا لا يتردد حيدر في رمي الفكر السلفي بكل ما يتصوره تخلفاً ورجعية دون أن يجهد نفسه بالبحث والمراجعة وتحري الدقة في النقل فبينما يدعي ابن تيمية إجماع المسلمين على كروية الأرض وعلى كروية الفلك الذي يحيط بها بل وينقل ذلك الإجماع عن علماء القرن الرابع حيث قال في الفتاوى 6/586: (حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من أئمة الإسلام مثل ابن المنادي من أصحاب أحمد بن حنبل وابن حزم وابن الجوزي ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك) بينما يأتي حيدر بعد ألف سنة ليدعي أن الفكر السلفي في أوائل القرن العشرين كان ضد كروية الأرض؟! فهل هناك تضليل أشد من هذا الذي يمارسه حيدر؟ إن الفكر السلفي ليس مذهباً فقهياً أو مدرسة واحدة كما يتوهم حيدر بل هو أشبه بالأيديولوجيا ففي كل المذاهب الفقهية المشهورة علماء سلفيون ففي الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية وأهل الحديث والشيعة الزيدية علماء سلفيون فمن رواد الفكر السلفي المعاصر من أل البيت النبوي الشريف السيد محمد رشيد رضا الحسيني العلوي صاحب مجلة (المنار) والسيد عبدالرحمن الكواكبي الحسيني مؤلف كتاب ( طبائع الاستبداد) و (أم القرى) والذي دعا فيه إلى السلفية ونبذ المذهبية والطائفية والسيد محب الدين الخطيب الحسني والسيد محمد شاكر الحسيني وابنه أحمد شاكر والسيد محمود شكري الألوسي الحسيني والسيد جمال الدين القاسمي الحسيني فكل هؤلاء الأئمة الأعلام من آل البيت الشريف سلفيون وكلهم من رواد النهضة المعاصرة ومن رواد الحركة الإصلاحية العربية الحديثة ومن دعاة التحرر من الاستبداد والاستعمار ومن علماء الفكر السلفي المعاصرين أيضا ابن باديس رئيس جمعية علماء الجزائر والبشير الإبراهيمي وعامة علماء نجد كمحمد بن إبراهيم والشيخ السعدي ...الخ فمن هو المقصود من هؤلاء عند حيدر في قوله ( نحن نعرف أن الفكر السلفي في أوائل القرن العشرين كان ضد كروية الأرض ....الخ )؟
وأما الإدعاء بأن الفكر السلفي ضد حقيقة أن البخار أصل المطر فهي فرية أخرى لم أسمع بها إلا من حيدر ولم أطلع عليها إلا في صندوق عجائبه ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام كثير في الحقائق الكونية موافق لما وصلت إليه أحدث النظريات العلمية الحديثة كأصل المطر وأنه من بخار الماء كما في الفتاوى 24/ 262 حيث قال ( والمادة التي يخلق منها المطر هي الهواء الذي في الجو تارة وبالبخار المتصاعد من الأرض تارة وهذا ما ذكره علماء المسلمين والفلاسفة يوافقون عليه ) فهذا رأي أكبر أئمة الفكر السلفي يؤكد قبل سبعمائة سنة ــ دع عنك أوائل القرن العشرين ــ أن أصل المطر هو من الهواء والبخار المتصاعد من الأرض وينقل ذلك عن علماء المسلمين؟!
وأما اللاسلكي والسيارة والراديو ...الخ فقد دخلت هذه المخترعات إلى كل بلدان العالم الإسلامي وفي كل بلد علماء سلفيون ومنها المملكة العربية السعودية وفيها كبار علماء الفكر السلفي فلم نسمع أن أحدا منهم حرمها مع بعد نجد آنذاك عن أسباب الحضارة والمدنية فضلا عن علماء الفكر السلفي في مصر والشام والعراق والمغرب والهند وغيرها من البلدان التي كانت أكثر تأثرا بالمدنية الحديثة .
وأما قول حيدر في الحلقة الأولى : (صراع المجتمع الكويتي مع التيار السلفي بالذات يمتد إلى قرن وأكثر وقد دخلت البلاد ودخل المجتمع في صراع عسكري ضده منذ 1920م وحرب الجهراء على الأقل ؟كما وقف في وجه هذا التشدد السلفي شعراء الكويت ورجال الدين فيها قبل عشرات السنين ) فهو أوضح دليل على مدى قصور معرفة الأستاذ حيدر بالفكر السلفي من جهة وتاريخ الكويت من جهة أخرى وعلى مدى تعالمه وادعاءاته التي لا حصر لها وإلا كيف يتحدث عن فكر إسلامي عريض يمتد من أقصى الهند شرقا إلى أقصى المغرب غربا بهذه السطحية والاختزالية؟ ألا يعلم الأستاذ حيدر المتخصص في الجماعات الإسلامية أن رواد الحركة الإصلاحية في الكويت هم من علماء الفكر السلفي؟ ألا يعلم بأن علامة الكويت وقاضيها عبد الله الخلف الدحيان كان سلفيا كما وصفه بذلك علماء عصره الذين راسلهم وراسلوه وعلى يده تتلمذ أكثر علماء الكويت وبه تأثروا وآخرهم شيخنا العلامة الحنبلي السلفي الشيخ محمد الجراح؟ وأن مؤرخ الكويت الشيخ عبدا لعزيز الرشيد مؤلف كتاب (تاريخ الكويت) كان سلفيا أثريا كما هو ثابت بتوقيعاته على بعض كتبه بخط يده وهو ممن تأثر خُطا شيخه الدحيان وخُطا السيد رشيد رضا الذي زار الكويت مدة وكان له الأثر الرئيس على الحركة الفكرية الإصلاحية فيها كما ذكر ذلك خالد العدساني في مقدمة مذكراته؟ ألا يعلم حيدر أن الشيخ يوسف بن عيسى القناعي وهو من رواد الحركة الإصلاحية والنهضة العلمية في الكويت كان سلفيا أثريا؟ وهل يعلم بأن السيد الشاعر عبد الجليل الطبطبائي كان أيضا سلفيا وله قصيدة مشهورة في نصر الدعوة السلفية النجدية؟ فمن أين أتى حيدر بتلك الطوام التاريخية التي تزعم أن الكويت دخلت في صراع مع التيار السلفي ؟ ومن هم العلماء والشعراء الذين تصدوا للفكر السلفي في الكويت منذ عشرات السنين ؟ ألا يريد حيدر أن يكون موضوعيا ولو مرة واحدة ولو بطريق الخطأ ؟!
إن الفكر السلفي باختصار يقوم على أساس العودة في فهم الإسلام إلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة وآل البيت قبل ظهور البدع والانحرافات والطوائف والمذاهب وقد كان من أشهر الدعاة إلى هذا الفكر في العصور المتأخرة في المغرب الإسلامي الإمام الشاطبي مؤلف كتاب الاعتصام والموافقات وفي المشرق الإسلامي ابن تيمية وفي اليمن الإمام الشيعي الزيدي السيد محمد بن إبراهيم الوزير مؤلف (العواصم) و( الروض الباسم ) وهو من علماء القرن التاسع الهجري وقد اقتفى أثره كبار علماء المذهب الشيعي الزيدي كالسيد المقبلي مؤلف ( العلم الشامخ) ثم السيد الأمير الصنعاني ثم قاضي قضاة اليمن الشوكاني وفي نجد الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وفي الهند ولي الله الدهلوي ثم السيد صديق حسن خان الحسني وغيرهم من العلماء والمصلحين في كل مصر وحين ولا أريد هنا أن أتتبع كل شبه حيدر التي لا تنقضي وإنما أردت فقط بيان مدى تعالمه وعدم موضوعيته وفقدان كتاباته للأمانة العلمية والحد الأدنى من الموضوعية والمصداقية وللحديث بقية.