كشف الأستار
عن شبهات الحوار
رداً على ما كتبه خليل حيدر
في صحيفة الوطن
5
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
صحيفة الرأي العام /3/2004
خامساً: قال حيدر في الحلقة الثالثة من حواره: (هل يريد ـ أي حاكم المطيري ـ ديمقراطية بلا ليبرالية؟ كلا بالطبع فهو مثلاً في مقال بعنوان (نعم للتعددية السياسية) يصر على تعددية مريحة مفصلة للتيار الديني وحده فيقول في معرض حديثه عن التعددية: لا يمكن السماح بإشهار حزب يهدف إلى تقويض النظام العام للدولة وبهذا يستثنى المطيري في تعدديته السياسية والحزبية الأحزاب الأيديولوجية التي يعتبرها هدامة أي نفس حجج الأنظمة العربية ضد الإسلاميين اليوم) انتهى كلامه.
وهذا نموذج على الطريقة الاختزالية التي يستخدمها حيدر في فهم نصوص مخالفيه ليستنتج منها ما يريد هو أن يستنتجه لا ما تدل عليه هذه النصوص ذاتها! وإلا كيف يفهم حيدر من عبارتي التي نقلها عني أنني أريد تعددية مفصلة للتيار الديني وحده؟ مع أن العبارة التي أوردها من كلامي هي قيد قانوني تشترطه كل قوانين الدول التي فيها تعددية سياسية فلا تسمح الدول الديمقراطية للأحزاب بخوض الانتخابات إلا وفق هذا الشرط وهو أن لا تشكل خطراً على النظام العام الذي ارتضته الأغلبية وألا تسعى إلى تقويضه؟ فقد دعوت ومازلت أدعو وسأظل أدعو إلى تقرير حق الشعوب العربية والإسلامية في وضع النظم والدساتير التي تريدها هذه الشعوب لا ما فرضه عليها الاستعمار الغربي من نظم منذ دخوله قبل قرن إلى اليوم ولا ما تفرضه الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية الاستبدادية المدعومة من الغرب أيضاً التي صادرت حق شعوبها في وضع النظم التي تريدها فمنذ مؤتمر لوزان بعد الحرب العالمية الأولى التي اشترطت دول الحلفاء فيه على تركيا إلغاء الخلافة العثمانية وإقصاء الشريعة الإسلامية وفرض العلمانية ومنذ دعم الاستعمار لانقلاب أتاتورك وتعميم الاستعمار لهذه التجربة العسكرية بعد إسقاط الخلافة في كل أقطار العالم الإسلامي منذ ذلك الحين والأمة تعيش أزمة هوية فلا يوجد شعب واحد في العالم العربي تم استفتاؤه حول الدساتير والقوانين التي تحكمه؟! ولهذا طرحنا هذا السؤال على كل من حاورنا في قضية الديمقراطية والتعددية السياسية الليبرالية وهو ما وجهناه لـ (ريتشارد بل) مستشار السفارة الأمريكية في الكويت حيث قلنا له: (إذا كانت الشعوب الإسلامية ترفض أي حزب يحمل أيديولوجيا تصطدم بالإسلام وما تؤمن به هذه الشعوب لماذا لا يكون لها الحق بأن تمنع أي حزب يصطدم بالنظام العام الذي تؤمن به من الوصول إلى السلطة فالقضية بالنهاية اختيار الشعوب) وهو نفس السؤال الذي وجهته للأستاذ حيدر في مقالي (قبل بدء الحوار) في الوطن 21/10/1999م حيث جاء فيه: (يحق لنا أن نسأل دعاة الليبرالية: لو فرضنا جدلاً أن شعباً مسلماً اختار بأغلبيته أن يحظر نشاط حزب شيوعي وأن لا يشارك في العمل السياسي إلى من يلتزم بدستور الدولة ويحترم نظامها العام الذي يقوم على الإسلام فهل لهذا الشعب الحق في فرض مثل هذا الرأي كما تقتضيه الديمقراطية ـ التي تعني حكم الشعب ـ أم لا يحق له ذلك كما تقتضيه الليبرالية ـ التي تعني الحرية ـ ؟ وأيهما نقدم إرادة الأمة أم إرادة بعض الأفراد؟) وهذا أيضاً هو محل الخلاف بيني وبين حيدر كما حددته له في مقالي (قبل بدء الحوار) في الوطن 11/11/1999م حيث قلت له (إذا أراد الأستاذ حيدر أن يستمر في حواره معي فأهلاً وسهلاً على خطة واضحة تقوم على:
أولاً: أن يحاورني في آرائي كما أحاوره في آرائه لا أن يحاور معي العالم الإسلامي كله بطوائفه وجماعاته وأحزابه ومذاهبه!
ثانياً: أن يكون موضوع الحوار في القضايا التي نختلف فيها التي حددتها بالأسئلة المنشورة في صحيفة المستقلة عن الليبرالية وتعريفها وحدودها؟ وكيف يمكن الجمع بين الديمقراطية التي تعني حكم الشعب والليبرالية التي تسعى إلى إطلاق حرية الفرد؟ وإلى أي مدى يمتد نطاق سلطة الشعب الذي تقرره الديمقراطية وإلى أي مدى يفسح المجال لحرية الفرد التي تقررها الليبرالية؟ ومتى يحق للأغلبية التي تسيطر على السلطة التشريعية أن تستخدم صلاحياتها في وضع النظم والقوانين التي تريدها أغلبية الشعب دون أن يقيد ذلك حرية بعض الأفراد؟ وهل في حظر الدول الغربية نشاط كثير من الأحزاب ـ كالحزب النازي في ألمانيا والشيوعي في كثير من دول أوروبا ـ هل في هذا الحظر انتهاك لليبرالية وحق الإنسان في اعتقاد ما يشاء من أفكار والدعوة إليها؟ ولو طالبت الأغلبية في دولة إسلامية حظر نشاط الأحزاب التي لا تحترم دين الدولة والأمة فهل للأغلبية الحق في ذلك كما تقرره الديمقراطية أم لا يحق لها ذلك لمصادمته لليبرالية وحقوق الإنسان؟)
فهذه القضية هي محل الخلاف بيننا منذ سنوات وبدلاً من أن يجيب حيدر على هذه الأسئلة ويحل لنا هذه الإشكالية بين الديمقراطية والليبرالية ذهب كعادته يشرق ويغرب ويتباكى على الأحزاب غير الإسلامية التي ستضطهد في ظل النظام الذي يدعو إليه حاكم المطيري؟ فأنا أتحدث عن هل للشعوب الحق في أن تضع من النظم والقوانين ما تريده الأغلبية وهل لها أن تمنع من لا يلتزم بنظامها العام من الوصول للسلطة؟ ولم أتحدث قط عن حق الإسلاميين في منع العلمانيين من الوصول للسلطة كما زعم حيدر الذي حاول إيهام القراء وتضليلهم عندما قال في الحلقة الأولى من (الحوار السلفي الأمريكي): (أليس الأمين العام نفسه يهدد بتكبيل التيار الليبرالي العلماني في ظل النظام الإسلامي؟) وقال أيضاً في الحلقة الثالثة: (من الواضح إذن رأي السيد الأمين العام لا يخرج عن التنظير البحت لحالة سياسية مثالية غير واقعية من التعددية السياسية مفصلة لتناسب التيار المهيمن على السلطة وهو التيار الإسلامي وجماعاته ويحاول د. حاكم أن يبرر مطاردة العلمانيين والليبراليين وربما كل الديمقراطيين في النظام الإسلامي القادم...)
والسؤال الذي يطرح نفسه: من أين جاء حيدر بكل هذه الأوهام؟ وأين تحدث حاكم المطيري عن النظام الإسلامي الذي لا يقبل إلا الجماعات الإسلامية ويطرد من خالفهم؟ وأين هدد حاكم المطيري بتكبيل التيار الليبرالي ... الخ؟ هل كل هذه الأوهام استنتجها حيدر من سؤالي الذي طرحته عليه قبل سنوات وطرحته على ريشارد بل المستشار السياسي الأمريكي عن حق الشعوب في وضع ما تشاء من النظم والقوانين وحقها في أن تمنع من تشاء من الوصول للسلطة حتى يحترم إرادتها ونظامها العام؟ وهل هناك في الدول الغربية دولة واحدة تسمح أن يصل للسلطة أو يشارك في الانتخابات من لا يلتزم بدستورها ونظامها العام أو من يسعى إلى تقويضه؟ أليس أول شرط للسماح للأحزاب هناك بخوض الانتخابات أن تلتزم بالنظام العام الذي ارتضته تلك الدول والشعوب؟ والغريب أن حيدر يعتبر ما أدعو إليه من تقرير حق الشعوب العربية في وضع النظم التي تريد وضرورة احترام إرادتها كما تقتضيه الديمقراطية كل ذلك يعده حيدر شبيهاً بحجج الأنظمة العربية العلمانية والدكتاتورية التي تمنع الإسلاميين وكل قوى المعارضة الأخرى من الوصول للسلطة بدعوى أنها خطر على النظام العام للدولة ؟ ولا أدري ما وجه الشبه بين حجتي التي تقوم على أساس إقرار حق الشعوب العربية في ذلك وحجة الأنظمة العربية الاستبدادية التي ليس فيها نظام واحد اختارته تلك الشعوب ليصل إلى السلطة فضلاً عن أن يمنع غيره من الوصول للسلطة؟ فالأستاذ حيدر لا يريد أن يجيب عن السؤال المطروح عليه منذ سنوات ولا يريد أن يعترف بحق شعوبنا في أن تضع النظم التي تريدها وأن تختار الحكومات التي تريدها ولا يريد أن يفرق بين حقوق الشعوب المسلوبة وممارسات الأنظمة الاستبدادية التي لا تمثل الأقلية فضلاً عن الأغلبية وبدلاً من ذلك يحاول إيهام القراء بأن التعددية السياسية التي يدعو إليها حاكم المطيري تقتصر على الجماعات الإسلامية وتقصي غيرهم؟ ولما رأى حيدر في مقابلتي مع المستشار الأمريكي عبارة صريحة واضحة تنسف كل تلك الأوهام التي نسبها لي وهي قولي للمستشار: (عندما يأتي أي حزب سياسي ويلتزم بالنظام العام من أي توجه كان فحينها إذا اختاره الشعب يمكن أن يصل إلى السلطة) أخذ حيدر يثير الشبه حول تلك العبارة فقال كما في الحلقة الثالثة: (يقدم المطيري استثناء محيراً فيقول: عندما يأتي أي حزب سياسي ويلتزم بالنظام العام... الخ ولكن كيف لحزب كهذا من أي اتجاه كان أن يتفاعل مع الحياة السياسية إن كان سيتحرك وسط كل هذه الموانع والمحاذير والأحكام الجاهزة المسبقة؟ ومن سيقرر إن كان الحزب المنافس سياسياً أم أيديولوجياً؟) ويقول أيضاً: (لماذا تعطي الحركة السلفية لنفسها حق الانفراد بفهم الإسلام والوصاية السياسية والبرلمانية على مختلف التيارات؟) وهكذا يصر حيدر على المكابرة وتضليل القراء فأنا لم أشترط لممارسة أي حزب للعمل السياسي إلا شرطاً واحداً هو الالتزام بالنظام العام الذي يقرره الشعب بإرادته الحرة وهو شرط تشترطه كل دول العالم الديمقراطية الغربية والشرقية فما هي الموانع والمحاذير والأحكام التي يتحدث عنها حيدر والتي ستحول دون تفاعل تلك الأحزاب مع الحياة السياسية؟ وما هي الوصاية التي تريد فرضها الحركة السلفية على غيرها من التيارات مع أنها أول حركة كويتية وخليجية تقدمت منذ ثلاث سنوات بوثيقة دعت فيها كل القوى السياسية وبلا استثناء إلى إقرار مبدأ التعددية السياسية وإشهار الأحزاب؟ ثم من قال بأن كل الأحزاب الديمقراطية والوطنية في العالم العربي ضد الإسلام والشريعة الإسلامية؟ إن أكبر الأحزاب السياسية في مصر ـ مثلاً ـ ليست أحزاباً علمانية وإن لم تكن أيضاً أحزاباً إسلامية بالمصطلح السياسي غير أنها ترى ضرورة استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية لإصلاح الخلل التشريعي الذي مازال يمثل مظهراً من مظاهر الاستعمار الغربي الذي فرض قوانينه على الشعوب العربية والإسلامية بالقوة فكل الأحزاب الرئيسية التقليدية في مصر كالحزب الوطني وحزب الوفد وحزب العمل تقر بأن دين الدولة الإسلامية والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع بل وترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية ولهذا تجد تأييداً شعبياً بل ودعماً من بعض علماء الأزهر الذين انضم بعضهم للحزب الوطني وبعضهم لحزب الوفد وبعضهم لحزب العمل وكذا الحال في السودان فأكبر الأحزاب هناك وهي حزب الأمة بزعامة المهدي والحزب الوطني الديمقراطي بزعامة المرغيني وحزب الجبهة القومية كلها كانت ترفع شعار الإسلام والعمل من أجل أسلمة القوانين بل إن التجربة البرلمانية الكويتية أثبتت أن الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس الأمة مع تعديل المادة الثانية لتصبح الشريعة الإسلامية مصدر التشريع الوحيد وهناك شبه إجماع شعبي على هذه القضية وقد صوت 47عضواً في مجلس الأمة الكويتية مع تعديل المادة الثانية ولم يكن عدد النواب الإسلاميين آنذاك يشكل أقلية فضلاً عن أكثرية مما يؤكد أن الأغلبية من الشعوب الإسلامية تريد الإسلام والشريعة الإسلامية وهذا ما لا يريد حيدر الاعتراف به ولهذا يصور الموضوع على أنه صراع بين الإسلاميين والديمقراطيين مع أن الصراع هو بين الشعوب الإسلامية التي تريد الإسلام واسترجاع هويتها المسلوبة وأقلية علمانية تقف تارة مع الأنظمة الدكتاتورية وتارة مع الأنظمة العسكرية وتارة مع الاستعمار الأجنبي من أجل فرض العلمانية وترسيخها في العالم العربي والإسلامي والحيلولة دون عودة الإسلام من جديد!
إن أكبر أزمة تواجهها الأمة الإسلامية منذ سقوطها تحت الاستعمار الغربي هي أزمة الهوية والمرجعية حيث فرض الاستعمار العلمانية على العالم الإسلامي فرضاً بالقوة العسكرية وعمل على إقصاء الشريعة الإسلامية والحيلولة دون تطبيقها من جديد وهذا ما اعترف به عمداء كليات الحقوق والقانون في الجامعات العربية في مؤتمرهم سنة 1974م في بغداد حيث جاء في توصياتهم: (إن الشريعة الإسلامية قد أثبتت صلاحيتها لحكم البلاد الإسلامية كنظام قانوني شامل وأن انحسار مجال تطبيقها بعد صدور التقنيات الحديثة في أغلب البلاد العربية ليس راجعاً إلى قصور في أحكامها بل يرجع إلى أسباب عدة منها ما قام به الاستعمار من فرض قوانينه وأن استكمال مقومات الشخصية القومية العربية يقتضي الرجوع إلى هذه الشريعة والاعتماد عليها كمصدر أساسي للقانون العربي الموحد).
فهذه شهادة أهل الاختصاص من رجال القانون في هذا الموضوع تؤكد أن استكمال مقومات الهوية العربية يقتضي الرجوع إلى الشريعة كمصدر للقوانين وأن الاستعمار الغربي هو الذي قام بإقصائها وقد أدرك هذه الإشكالية وأن الأزمة التي يعيشها العالم الإسلامي هي أزمة هوية البرفسور الأمريكي (جون سبوزيتو) أستاذ الأديان والشئون الدولية ورئيس المجلس الأمريكي لدراسة المجتمعات الإسلامية في الخارجية الأمريكية سابقاً حيث قال: (إن بعض الغربيين يقولون أنه إذا تحسن الاقتصاد فلن يكون للحركات الإسلامية أي بروز لكن أولئك لا يفهمون القضية فهماً صحيحاً ولا يدركون أن المسلمين يريدون هوية إسلامية ولذلك فلا بد من النظر إلى أن تلك الحركات ستقوى وستستمر وسيصبح الإسلام جزء من المؤسسات الدستورية) وقال أيضاً عن أسباب النظرة العدائية الغربية للحركات الإسلامية: (عندما ينظر علماء الغرب إلى الحركات الإسلامية فإنهم يعدونها شيئاً خطيراً وهذه النظرة يعززها تعاملهم مع الطبقة العلمانية في تلك المجتمعات التي بطبيعة الحال تشوه صورة تلك الجماعات) وهذا تماماً ما يقوم به حيدر الذي ليس له قضية منذ أن عرفناه إلا التحذير من خطر الحركات الإسلامية والتبشير بالعلمانية بل والتشكيك في صلاحية الشريعة الإسلامية كما في مقال (حوار مع حاكم المطيري) في الوطن 14/9/1999م عندما قال: (كيف يمكن الجمع بين تطوير الاقتصاد والانفتاح على العالم وتطبيق الشريعة في الوقت نفسه؟) مما يؤكد أن مشكلة حيدر ليست مع الحركة السلفية بل مع الأمة الإسلامية التي تريد التحاكم إلى شريعتها واستعادة هويتها تلك الشريعة التي يشكك حيدر في صلاحيتها بينما قال عنها المستشرق الروسي (ليونيد سوكانين) أستاذ معهد القانون بأكاديمية العلوم الروسية: (أنا مؤمن بأن المبادئ القانونية الأساسية في الشريعة الإسلامية كمقاصدها وكلياتها تمثل قيماً أبدية خالدة ولا أشك في أن التشريع الإسلامية صالح لكل زمان ومكان أما الاستفادة من هذا الرصيد الكامن فيتوقف على المسلمين أنفسهم) فسبحان من ألهمها ليونيد الروسي وحرم منها حيدر الكويتي!
ومع وضوح هذه الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية التي لم تتحرر من سيطرة الاستعمار من جهة وهيمنة الاستبداد من جهة أخرى منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا ومع إدراك كثير من الغربيين أنفسهم جذور المشكلة التي تتمثل في غياب الهوية والمرجعية مع كل ذلك يصر حيدر على الاستخفاف في هذا الموضوع مصادراً حق الشعوب العربية والإسلامية بالحرية وحقها في وضع ما تشاء من النظم التي تعبر عن هويتها كل ذلك بدعوى الخوف على حق الأقلية العلمانية!
وقد عبر الأستاذ محمد عابد الجابري عن هذه الإشكالية في كتابه (وجهة نظر) ص 102 – 105 حيث قال: (من الواجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر القومي العربي وتعويضه بشعاري الديمقراطية والعقلانية فهما اللذان يعبران عن حاجات المجتمع العربي... إن هذه الفكرة أي العلمانية غريبة تماماً عن الدين الإسلامي وأهله فالدين الإسلامي ليس فيه سلطة روحية من اختصاص فريق وسلطة زمنية من اختصاص فريق آخر فطرح شعار العلمانية في مجتمع يدين أهله بالإسلام هو طرح غير مبرر وغير مشروع ولا معنى له... فعبارة فصل الدولة عن الدين عبارة غير مستساغة إطلاقاً في مجتمع إسلامي لأنه لا معنى في الإسلام لإقامة التعارض بين الدين والدولة إن هذا التعارض لا يكون له معنى إلا حيث يتولى أمور الدين هيئة منظمة تدعي لنفسها الحق في ممارسة سلطة روحية على الناس في مقابل سلطة زمنية تمارسها الهيئة السياسية وهي الدولة فمسألة العلمانية في الوطن العربي مسألة مزيفة إن الحاجة إلى الاستقلال في إطار هوية قومية واحدة والحاجة إلى الديمقراطية التي تحترم حقوق الأقليات والحاجة إلى الممارسة العقلانية للسياسة هي حاجات موضوعية فعلاً ومطالب معقولة وضرورية في وطننا العربي ولكنها تفتقد معقوليتها وضروريتها بل ومشروعيتها عندما يعبر عنها بشعار العلمانية ... فإنه لا الديمقراطية ولا العقلانية تعنيان بصورة من الصور استبعاد الإسلام.. إعادة تأسيس الفكر القومي على مبدأي الديمقراطية والعقلانية بدل مبدأ العلمانية وإحلال الإسلام المكانة التي يجب أن يحتلها في النظرية والممارسة تلك من جملة الأسس التي يجب أن تنطلق منها عملية بناء الفكر القومي العربي) انتهى كلام الجابري الذي عده حيدر في حواره رقم 6 من كبار المفكرين العرب وقد شخص الجابري المشكلة تشخيصاً صحيحاً وهو يناقض تماماً ما ينادي به حيدر الذي يرى ضرورة العلمانية للعالم العربي والإسلامي وضرورة الأخذ بالليبرالية بمفاهيمها الغربية مهما اصطدمت بأحكام الشريعة الإسلامية؟!!