إلى الطبطبائي مع التحية
(1من 4)
د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
الرأي العام 13/10/2002
عندما أصبح د. محمد الطبطبائي عميدا لكلية الشريعة زارني في مكتبي مشكورا ودار بيننا حديث طويل سأذكر تفاصيله لاحقا. وقد حاول د. محمد في ذلك الحوار إثبات استقلاليته وعدم ارتباطه بأي حزب فقلت له إن أكبر الأحزاب هو حزب الحكومة التي تملك من أدوات الجذب والطرد والضغط ما لا تملكه القوى السياسية كافة ،وقد فهم د. محمد معنى ما ذكرته له ومغزاه وأنني لا أحابي أحدا في دين الله ولو لم يكن د. محمد الطبطبائي عميدا لكلية الشريعة لما تعرضت له إذا لكل إنسان أن يتبنى ما يراه من الأراء أما وقد صار عميدا يمثل كلية الشريعة وأساتذتها، فالوضع يختلف وأمانة العلم والنصيحة تقتضيان وجوب بيان أخطائه العلمية بعد أن نشرت حتى لا يظن أحد أن سكوت أساتذة الكلية موافقة منهم على هذه الأراء ،وسأبدأ ببيان خطئه في المسائل الواضحات وأنتهي معه بالمشكلات فمن ذلك :
1- قوله – كما جاء في مقابلته في السياسة 6/10/2002 أن تسمية المساجد بأسماء من بنوها بدعة! وكذا تسميتها بأي أسم من أسماء المسلمين وأنه لا أصل لذلك في الدين!!!
وهذه الفتوى خطأ بلا شك بل تسمية المساجد بالأسماء جائز سواء أسماء من بنوها أو صلوا فيها أو جاوروها وقد بوب البخاري في صحيحه حديثا رقم (420) (باب هل يقال مسجد بني فلان) وأخرج فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي(صلى الله عليه وسلم ) جعل السباق بين الخيل (إلى مسجد بني زريق قال الحافظ بن حجر في الفتح :( يستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلي فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها) ورجح أن تكون التسمية في عهد النبي صلى الله علبه وسلم فتكون سنة تقريرية، وذكر الحافظ أن هذا مذهب الجمهور، ولم يخالف إلا إبراهيم النخعي فإنه كان يكره أن تضاف المساجد لغير الله مطلقا للآية (وأن المساجد لله) ويرى جواز أن يقال مصلى بني فلان ورد عليه الحافظ ابن حجر بان الإضافة هنا إضافة تمييز وتعريف لا إضافة ملك وكذا قال العلامة العيني في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) 2/414 . وقد أورد المؤرخ عمر بن شبة ( 173هـ - 262هـ ) في كتابة تاريخ المدينة أسماء مساجدها وأكثرها بأسماء من بنوها كمسجد بني سالم ،ومسجد بني ساعدة،ومسجد بني بياضة،ومسجد بني عدي،ومسجد بني عمرو، ومسجد أبي بن كعب .... الخ وهي نحو عشرين مسجدا أكثرها صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مشهورة بهذه الأسماء منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم دون نكير من أحد منهم كما في تاريخ ابن شبة 1/57-97.
فإذا ثبت ذلك كله فما حجة الطبطبائي فيما ادعاه من أن تسمية المساجد بأسماء من بنوها بدعة؟ فإن كان ما توصل له اجتهادا منه فما هو دليله؟ما دامت الأحاديث الصحيحة تقرر مشروعية هذا الأمر ومادام قد تواتر عن الصحابة رضي الله عنهم تسميتهم المساجد بأسماء من بنوها؟ وإن كان قاله تقليدا فمن إمامه في هذا القول ما دام أكثر العلماء وعامتهم على الجواز كما نقله عنهم الحافظ ابن حجر والعلامة العيني بل هو إجماع عملي؟فإن استند إلى القول النخعي فليس فيه إلا الكراهة ولم يقل إنها بدعة، كما إن النخعي لا يرى الإضافة مطلقا سواء الإضافة إلى من بناها أو الإضافة إلى غيره ولا فرق عنده بين الإضافتين فهل د. محمد يرى هذا الرأي أيضا؟ وعلى كلتا الحالين فقد أخطأ في الأمرين في الحكم والاستدلال ولو لم يكن من الأدلة على بطلان فتوى د. محمد الطبطبائي إلا إضافة المسجد النبوي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكونه هو الذي بناه ولملازمته الصلاة فيه لكان دليلا كافيا بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله :(صلاة في مسجدي بألف صلاة) فأضافه إلى نفسه الشريفة لتمييزه عما سواه من المساجد، وقال أيضا (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا) وفي رواية (والمسجد النبوي)
والسؤال هنا: هل تسمية مسجد المدينة (بالمسجد النبوي) سنة أم بدعة؟ وإذا كانت سنة فما هو سبب هذه التسمية في نظر الطبطبائي؟ فإن كان هو كونه مسجده صلى الله عليه وسلم الذي بناه وكان يصلي فيه، ولا خلاف في ذلك، فما الذي يمنع من تسمية كل مسجد باسم من بناه من باب التعريف والتمييز؟ وما الدليل على تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم؟ فإما أن يقول الطبطبائي أن تسمية مسجد المدينة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة لا أصل لها في الدين، وإما أن يقيم الأدلة على الخصوصية.
والصحيح أن تسمية المساجد بأسماء من بنوها أو غيرهم من المسلمين للتعريف والتمييز إن لم تكن سنة فهي جائزة مشروعة على أقل الأحوال وعليها عمل المسلمون منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا اليوم، ولا يمكن أن يقال عنها إنها بدعة كما زعم د. محمد الطبطبائي!
وللحديث بقية .