إلى الطبطبائي مع التحية
( 3 من 4 )
د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
الرأي العام 25/10/2002
مازلنا في بيان أخطاء د. محمد الطبطبائي عميد كلية الشريعة في مقابلته المنشورة في السياسة 6/10/2002 قال الطبطبائي:(أخشى أن تكون الحركة السلفية في المستقبل حزبا وإن حصل ذلك فستقع في المحظورات) ؟
ولن أسأل د. الطبطبائي عن السبب وراء هذا التعريض (بالحركة السلفية) وإقحامها في هذه المقابلة وتخصيصها بهذا النقد دون سائر الحركات التي تعج بها الساحة لأنني أعرف السبب وإنما السؤال الذي يطرح نفسه: ما الفرق – في نظر الطبطبائي- بين الحركة والجماعة والحزب والتجمع؟ وإذا لم تكن الحركة السلفية والحركة الدستورية والتجمع السلفي والتحالف الوطني الإسلامي والمنبر الديمقراطي أحزابا لغة وإصلاحا فما الأحزاب إذا؟
إن الحزب في لغة القرآن ولغة العرب يطلق على كل طائفة وجماعة وعلى كل مجموعة من الأفراد اجتمعوا على رأي واحد أو هدف واحد وقد أطلق القرآن هذا الاسم على المؤمنين كما في قوله تعالى:( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) وقال تعالى عن المؤمنين أيضا( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) وجاء في صحيحي البخاري حديث رقم (2581)( إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين :فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فأطلقت عائشة – رواية الحديث – كلمة حزب على كل مجموعة منهن رضي الله عنهن .
فما دام الأمر كذلك فالحركة السلفية – كغيرها من الجماعات – حزب لغة وشرعا، فما الذي يخشاه عليها د. الطبطبائي مستقبلا إذن ؟وما المحظور الذي ستقع فيه مستقبلا ولم تقع فيه اليوم ؟
وأما الحزب بالمفهوم السياسي المعاصر فهو كل جماعة منظمة تسعى للوصول إلى السلطة التشريعية أو التنفيذية وهذا الإصلاح ينطبق على جميع الحركات السياسية المذكورة آنفا كالحركة الدستورية والتجمع الشعبي السلفي .... الخ .
فهل المحظور كونها جماعة أم كونها تماس العمل السياسي أم لأنها تسعى للوصول إلى السلطة؟ وما هو المحظور من هذه الأمور الثلاثة في الشريعة الإسلامية؟ ومعلوم إن الاجتماع والتجمع والعمل الجماعي أمر فطري فالإنسان مدني بطبعه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(كل بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع والتناصر ولهذا يقال الإنسان مدني بطبعه) .
فالأصل في كل اجتماع وتجمع وعمل جماعي الإباحة والحل فإن كان الاجتماع لأجل عمل محرم فهو محرم لا لكونه تجمعا وإنما لكونه يسعى لمحرم وإن كان تجمعا وعملا جماعيا لتحقيق مصلحة دنيوية مباحة فهو مباح وإن كان لتحقيق واجب كفائي لا يتحقق إلا بعمل جماعي فالعمل الجماعي حينئذ يكون واجبا للقاعدة الفقهية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وقد قال تعالى (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير) على القول بأن (من) هنا للتبعيض والأمر في الآية إن لم يكن للوجوب فهو للندب والاستحباب.
أما العمل السياسي والاهتمام بشؤون الإمامة والسلطة ونقد ممارستها وتقويمها فأمر مشروع بلا خوف بين علماء الأمة بل جعله النبي صلى الله عليه وسلم باباً من أبواب الجهاد بل أفضلها كما في الحديث الصحيح (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وكما في الحديث (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) كما أمر الشارع الأمة بالتصدي للظلم فقال صلى الله عليه وسلم مخاطبا الأمة :(لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا) وكل ما سبق يدخل في مفهوم العمل السياسي في الإصلاح الحديث لهذه الكلمة وما جاز فعله للأفراد جاز فعله للجماعات من باب أولى لكونها أقدر على تحقيق المطلوب وقد قال أبو بكر الصديق في خطبته المشهورة الصحيحة عنه بعد أن بويع خليفة:(إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم) وهذا خطاب موجه لجميع المسلمين الذين بايعوه في المسجد البيعة العامة ليقوم الجميع بدورهم في ممارسة العمل السياسي بما في ذلك تقويم السلطة ونقدها وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين) أي أن ممارسة هذا النوع من العمل السياسي هو من الدين وهو ينقض الفكرة العلمانية(لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة) فلم يبق أمام الطبطبائي إلا أن يدعي أن المحظور هو في سعي هذه الأحزاب إلى السلطة إلا إن هذا الادعاء باطل أيضا إذ لا خلاف بين المؤرخين والعلماء في أن أهل الشورى الستة بعد عمر رضي الله عنه تنافسوا فيها ولو كان السعي إلى الوصول إلى السلطة محظوراً لما تنافس فيها أولئك الستة الذين هم أفضل الصحابة يومئذ وقد قال الماوردي في أحكامه (وليس طلب الإمامة مكروها فقد تنازع فيها أهل الشورى، فما رد عنها طالب، ولا منع منها راغب) فتنافس الأحزاب السياسية في الكويت للوصول إلى السلطة التشريعية أم مشروع في الأصل وإنما المحظور هو السعي إليها طلباً للإفساد في الأرض أو العلو فيها أو مع العجز عن القيام بمسؤوليتها. وللحديث بقية